شكل التعليم إحدى القضايا الكبرى التي توقف عندها جلالة الملك بشكل لافت، في خطاب العرش، ووضعه ضمن ثلاثة عوائق رئيسية، من دون إزاحتها، فإن النتائج المشجعة للمخططات القطاعية ستظل محدودة النجاعة. واعتبر جلالة الملك أن هذا العائق يمثل «التحدي الأكبر» ويتعلق بتأهيل الموارد البشرية، مشددا على أنه من مسؤولية الجميع «الإقدام على اتخاذ قرارات شجاعة لتحقيق الملاءمة بين التكوين العملي والمهني والتقني، وبين مستلزمات الاقتصاد العصري، وتشجيع البحث العلمي والابتكار، والانخراط في اقتصاد ومجتمع المعرفة والاتصال». وحذر جلالته، من أنه «بدون ذلك، فإن النظام التعليمي الذي طالما واجه عراقيل ديماغوجية، حالت دون تفعيل الإصلاحات البناءة، سيظل يستنزف طاقات الدولة، ومواهب الفئات الشعبية، في أنماط عقيمة من التعليم، تنذر بجعل رصيدنا البشري عائقا للتنمية، بدل أن يكون قاطرة لها). عند تحليل الدعامات الأساسية الأربعة التي اعتمدها المغرب عبر مساره التنموي، وعند استعراض ما أورده جلالة الملك بشأن حصيلة وآفاق المخططات القطاعية، وأيضا العوائق الرئيسية الثلاثة، والتوجهات الأربعة للمستقبل، ما نخلص إليه هو محورية المسألة التعليمية، ومن ثم فهي أسبقية، وأيضا شرط للنجاح. لقد شهد المغرب بالفعل العديد من مخططات وبرامج الإصلاح لشأنه التعليمي، واليوم أيضا يجري الحديث عن ضرورة الإصلاح المستعجل للمخطط الاستعجالي، وهو الأفق الذي شدد عليه خطاب العرش، من خلال دعوته إلى تبني قرارات شجاعة، وأيضا مواجهة كل العراقيل الديماغوجية. معضلات تعليمنا معروفة، وشروط إصلاحه واضحة، وشعبنا يلمس يوميا تفاقم عطالة الخريجين ويلمس تراجع المستوى، ويلمس محدودية الآفاق التكوينية المتاحة أمام الشباب المغربي، ويلمس إهمال مدرستنا العمومية، ويلمس تخلفنا في البحث العلمي، ويلمس اختيار أطر مغربية عديدة مغادرة البلاد نحو دول أخرى، كما أن الجدل الذي حدث في الفترة الأخيرة بشأن اللغات، يحيل على مشكلة حقيقية تهم نظامنا التعليمي، ومن المستعجل الانكباب عليها من دون ديماغوجية. شعبنا يريد اليوم أن تستعيد مدرسته نجاعتها وقوتها، ويريد أن يستفيد أبناء المغاربة من تعليم جيد، ويريد تكثيف برامج محاربة الأمية، ويريد فرصا للتكوين المستمر، ويريد تكوينا مهنيا وتقنيا فاعلا وناجعا، ويريد تلاؤما أكبر بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي، وتعزيز ممرات انسيابية بين التربية والتكوين والحياة العملية. الفشل في إصلاح التعليم لا يخلف وراءه فقط السلبيات وهدر طاقات المجتمع وموارده، إنما يخلف كذلك ضحايا. المدرسة تنتج الأطر، وأيضا المعارف والأفكار والقيم والتمثلات والعلاقات، ومن هنا دورها الخطير في تحديد وعي المجتمع ووجهة أفكاره... تطوير التعليم إذن هو تطوير للمجتمع برمته.