كتب كثيرون منذ عقود، دوليا وأيضا وطنيا، عن العلاقة الجدلية بين الاقتصاد والسياسة، وأنتج مفكرون كبار منظومات نظرية اقتصادية بشأن ذلك، حتى أن علما قائما بذاته تبلور تحت مسمى «الاقتصاد السياسي»، وتسجل الذاكرة الوطنية كتابات واجتهادات الراحل عزيز بلال بهذا الخصوص، وآخرين من جغرافيات مختلفة، وصار من المسلم به الدور المحدد للاقتصاد، وأثره على السياسة، وعلى ديناميات المجتمعات وأوضاع الشعوب. وفي مقابل السالف ذكره، التقط المراقبون، منذ أيام قليلة، ما ورد على لسان والي بنك المغرب، في ندوة صحفية، حيث شدد على أهمية الاستقرار السياسي في البلاد، واعتبر أن الأغلبية الحكومية مطالبة بأن تظهر أكثر انسجاما، وتتخلى عن «منطق الصراعات السياسية»، لافتا إلى أنه «عندما تكون الأغلبية منسجمة تقدم نظرة إيجابية للفاعلين الاقتصاديين في الداخل والخارج، والرؤية السياسية الواضحة لها وقع على الاقتصاد»، ثم زاد قائلا إن «الاستقرار السياسي له دور كبير في نظر المؤسسات الدولية، كما أنه أحد معايير التقييم المعتمدة من لدن مؤسسات التنقيط الدولية»، ونبه إلى أن «وجود ائتلاف حكومي يشتغل في انسجام واضح، لا يمكن إلا أن يمنح ذلك وضوحا في الرؤية لمختلف الفاعلين الاقتصاديين». ليس الكلام هنا مجرد تعبير إنشائي مكرور، أو أنه استنتاج ذاتي من محلل أو من صحفي غير مختص، وإنما هو صادر عن خبير اقتصادي عارف بتفاصيل الاقتصاد الوطني، وهو أيضا مسؤول رفيع في الدولة، حاليا ومنذ سنوات، وبالتالي، فهو عندما يقول بأن الرؤية السياسية الواضحة لها وقع على الاقتصاد، فهو يعرف ما يعني، ويجب على كل الأطراف أن تستوعب الرسالة. والي بنك المغرب يكشف اليوم عن الوجه الآخر للعملة في العلاقة الجدلية بين الاقتصاد والسياسة، حيث أن الوجه الأول هو ما افتتحنا به أعلاه، وكانت قد قدمته أطاريح الباحثين واجتهادات المفكرين، وخصوصا من داخل المدرسة الاشتراكية، وبشكل أدق من داخل منهجية التفكير الماركسي، واليوم تقدم لنا تجارب العديد من الدول، وضمنها المغرب الحالي، كثير أدلة على أن التفاعلات السياسية الداخلية يكون لها وقع أيضا على الاقتصاد، وعلى مسلسل التنمية في البلاد، أي أن الاقتصاد والسياسة يتفاعلان فيما بينهما باستمرار ويؤثران في بعضهما البعض. لقد نبهنا مرارا إلى تدني السياسة في بلادنا، ممارسات وتعابير وعلائق ومواقف وفي المعجم المستعمل، ونادينا أكثر من مرة إلى أهمية استعادة العقل، وتحدثنا عن كون بلادنا تمتلك دستورا ربما هو أكثر تقدما من بعض سياسيينا، وشددنا على ضرورة صيانة الاستقرار السياسي والاجتماعي لبلادنا، واليوم يحذرنا مسؤول اقتصادي كبير في البلاد من انعكاس كل هذه العبثية في مشهدنا السياسي على الاقتصاد، وعلى الصورة الاقتصادية للمملكة وجاذبيتها. هل ينجح إذن والي بنك المغرب، من خلال التحذير، في إنقاذنا من... تيه السياسة، ومن العبث المحيط بنا منذ شهور؟ هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته