الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين حتمي وسيستمر أجرت الزميلة «البيان» حوارا مطولا مع عبد الواحد سهيل وزير التشغيل والتكوين المهني، قدم تصورا ضافيا لحصيلة عمل الوزارة والمشاريع الموجودة قيد الدرس، وتلك التي سترى النور قريبا. كما تعرض الحوار لقضايا أخرى تهم أسباب تأجيل الحوار الاجتماعي وواقع البطالة في المغرب والتدابير المتخذة لاحتوائها. فيما يلي نعرض ترجمة بتصرف لأغلب فقرات هذا الحوار . تحتفل الشغيلة اليوم بعيدها الأممي. لكن على إيقاع خطاب نقابي سيثير بالتأكيد العطب الذي حل بقطار الحوار الاجتماعي . ما سبب هذا العطل وما تأثيره على مسلسل الحوار؟ عدم عقد اجتماع لجنة الحوار الاجتماعي الذي كان مقررا السبت الماضي في التاريخ المحدد له سلفا يعود لتراكم العديد من الأنشطة والالتزامات التي أضيفت إلى أجندة النقابات والحكومة على حد سواء. الحكومة اتخذت مبادرة الاتصال بنقابتي الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب لإخبارهما بتأجيل اجتماع الحوار الاجتماعي، وذلك بعد توصلها برسالة مشتركة من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل تعلن فيها المركزيتان النقابيتان عدم المشاركة. كما اتخذت الحكومة مبادرة الإخبار بالتأجيل بعد الاعتذار الذي قدمه الاتحاد العام للشغالين بالمغرب الذي كان أمينه العام حميد شباط منشغلا بأنشطة شبيبة حزب الاستقلال. الحوار الاجتماعي غير مرتبط بمواعيد، بل هو أولا وأساسا سلوك محدد يبتغي بلوغ هدف معين داخل مجتمع مغربي حقق العديد من التراكمات قبل بلوغ المستوى الذي نحن عليه اليوم. الحكومة تؤكد استمرارها في اعتماد الحوار مع مختلف الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، وهي عازمة على مواصلة تنفيذ مضامين اتفاق 26 أبريل 2011 من خلال رصد الموازنات اللازمة وإصدار النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة به. الحوار الاجتماعي شهد تطورا مضطردا مع تعاقب الحكومات بالمغرب. وبالتالي، لا يمكنه أن يبقى محصورا زمنيا. ما يهمنا هو ما ننجزه لفائدة الطبقة العاملة المغربية وما نمهد له من سلم اجتماعي يحترم حقوق كل الأطراف. لا نرغب سوى في العمل يدا في يد مع الشركاء الاجتماعيين في ظل دولة الحق والقانون التي يجب أن يقطف المجال الاجتماعي ثمارها.. أردنا أن نبني كل هذا الصرح مع الفرقاء الاجتماعيين بصفة تشاركية وتدريجية. وعلى هذا الأساس، وبعد اطلاعنا على نتائج اللقاءات والالتزامات السابقة مع النقابات الخمس، وما تم الاتفاق عليه وزوايا الخلاف القائمة بين الطرفين، طلبنا لقاء إخواننا في المركزيات النقابية من أجل الاستماع لبعضنا البعض. لكن للنقابات رأي آخر عبرت عنه بغضب ويبدو أن إلغاء لقاء السبت قد يؤججه بما يؤثر على اللقاءات المستقبلية؟ لا أظن أن رسالة بنكيران التي أجلت اللقاء ستعكر صفو المناخ الاجتماعي أو ستحدث تشنجا للعلاقات بين الحكومة والمركزيات النقابية. الحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين حتمي وسيستمر، لكن دون أن تبقى قناته، بالضرورة، محصورة دائما على مستوى اللقاءات بين رئيس الحكومة والنقابات أو على المستوى الثلاثي بين الوزراء والنقابات والفرقاء الاقتصاديين، إلا إذا تعلق الأمر بالملفات الكبرى المرتبطة بتطوير التشريعات واتخاذ القرارات الكبرى كإصلاح أنظمة التقاعد مثلا.. الحكومة لا تعتبر النقابات خصما لها بل فرقاء اجتماعيين يلعبون دورا أساسيا، وهذا الدور تنص عليه المقتضيات الدستورية ويتمثل في تأطيرهم للشغيلة والدفاع عن مصالحها، مثلما تعتبر الفرقاء الاقتصاديين طرفا أساسيا يجب الاستماع إليهم والأخذ برأيهم والعمل على تقريب وجهات النظر فيما بينهم وبين وجهة نظر الطبقة الشغيلة». إن إلغاء الحكومة لاجتماع لجنة الحوار الذي كان مقررا عقده يوم السبت الماضي مع المركزيات النقابية، يرتبط بمواقف هذه الأخيرة التي آثرت عدم الحضور للاجتماع بالنظر للاستعدادات لموعد فاتح ماي الذي يميزه مناخ اجتماعي يطبعه الحماس والتعبئة. والحكومة بكل براءة ونظرا للعلاقات العادية التي تجمعها بالنقابات قامت باستدعائها للحوار، لكن كل واحدة منها قدمت مبررا، فاستدعى رئيس الحكومة النقابات الأخرى لعقد اجتماع بمن حضر لكنها رفضت. لا أتصور مستقبل العلاقات الاجتماعية بدون حوار اجتماعي، ولا أتصور حوارا اجتماعيا عنوانه الجفاء وعدم الانتقاد، واعتبر بشكل ضمني أن خلفية تأجيل اجتماع لجنة الحوار الاجتماعي يعود لكون النقابات حاولت استعماله كمبرر لتعبئة الطبقة الشغيلة وحشدها لتنظيم استعراضات في المستوى المرغوب لكل نقابة من النقابات. وأرى أنه لا ينبغي إعطاء هذا الحدث أكثر من حجمه، على اعتبار أن جولة الحوار كان مقررا عقدها بداية شهر أبريل، لكنها لم تتم بالنظر لأجندة كل من الحكومة والنقابات، إن تزامن الموعد مع زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للمغرب، والتي تلاها اجتماع منظمة العمل العربي بالجزائر الذي حضرنا فيه باعتبارنا مسؤولا عن قطاع التشغيل والتكوين المهني إلى جانب قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، فضلا عن التزامات أخرى لكل هذه الأطراف خلال الأسبوع ما قبل الماضي حالت أيضا دون عقد الاجتماع. الفاتح من ماي يوم هو أيضا يوم للمساءلة حول ما تم إنجازه في مجال حصر معدلات البطالة..ما هي الحصيلة التي يمكنكم الحديث عنه بخصوص مسألة التشغيل في المغرب؟ البحث الوطني حول التشغيل الذي قدمه المندوبية السامية للتخطيط كشف عن تحسن في السوق الشغل وخلق فرص جديدة للتشغيل وانخفاض للبطالة طيلة العشرية السابقة. فقد سجل معدل البطالة تراجعا تاريخيا منتقلا من 13.4 بالمائة سنة 2000 إلى 9 بالمائة سنة 2012 .هذا الانخفاض استفادته منه مجموع الساكنة النشيطة وبصفة خاصة حاملي الشهادات الذين انتقل معدل بطالتهم من 27.4 بالمائة سنة 200 إلى 16.4 بالمائة سنة 2012 .. ورغم هذا الانخفاض، فتطور معدل البطالة على الصعيد الوطني يخفي تفاوتات حسب النوع ووسط الإقامة ونوع الدبلوم. انخفاض البطالة الملاحظ خلال هذه المرحلة رافقه تطور ايجابي لخلق مناصب الشغل. فقد انتقل الحجم الإجمالي للتشغيل في صفوف الساكنة التي يتجاوز سنها ال 15 سنة، من 8.8 مليون سنة 2000 إلى 10.5 مليون سنة 2000 إلى 10.5 مليون. منذ مدة طويلة شكلت بطالة الشباب، خاصة الحاملين للشهادات، تحديا كبيرا.ما هي السبل التي تسيرون على هديها لتقليص بطالة هذه الفئة إلى معدلات معقولة ؟ إن عدم ملاءمة المؤهلات لحاجيات سوق الشغل تعد المشكل الأساسي لبطالة الخريجين. فالإدارة غير ملزمة بتوفير الشغل لكل شاب وشابة تتخرج من الجامعة. دور الإدارة هو تأهيل الشباب والناشئين لاكتساب مهارات وعلوم جديدة من أجل تمكينهم من تحسين أوضاعهم في ظل عالم حديث بات صعبا للغاية. إن تحقيق الملاءمة بين التكوين وسوق الشغل يمثل المفتاح الأساسي للتقدم ، وتجاوز هذه الإشكالية يتطلب تضافر جهود الجميع. الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، تتيح العديد من الفرص في مجالات التكوين المهني وربط الجسور بين الجامعة والمقاولات، ومن شأن تعزيز هذه الروابط تعميق معارف الطلبة وتيسير ولوجهم لسوق الشغل. وفي ما يتعلق بتحسين مناخ الأعمال، يمكن لوزارة التشغيل والتكوين المهني المساهمة رفقة باقي الشركاء الاجتماعيين في هذا المجال من خلال إعادة النظر في دور الوزارة في الحوار والسلم الاجتماعيين. نحن نساند إرساء شراكة تؤطرها اتفاقات جماعية في مجالات الوساطة والتحكيم وتوقع النزاعات وحلها». أين وصل مرصد التكوين و التشغيل الذي أعلنتم منذ فترة غير بعيدة عن إحداثه ؟ مرصد التكوين والتشغيل سيبقى مرفقا عموميا وسيتطلب تعاون المندوبية السامية للتخطيط وعدد من القطاعات العمومية. حصة أرباب العمل في التعويض عن فقدان العمل ستكون في حدود 0.38 و 0.19 في المائة، في حين أن على الدولة دفع 250 مليون درهم للمأجورين، وسيتكلف CNSS بتدبير هذا التعويض ، و لن تكون لهذا التعويض علاقة مباشرة بمرتبات المأجورين. ولتقليص البطالة إلى معدل 8 في المائة سنة 2016، يتوجب على الحكومة الحفاظ على وتيرة الاستثمارات العمومية والعمل بحزم على محاربة التضخم. نحن نقترح على المقاولات إدماج الشباب وتدريبهم على الحياة المهنية وبالمقابل سنقوم بتعويضهم عن ذلك، و الدولة ستوفر نوعا من التعويض عن التدريب وتفكر في تقديم المساعدة للشباب لتمويل مصاريف التنقل والملابس. إننا نعمل مع الصندوق الوطني للاحتياط الاجتماعي على مشروع من أجل إدماجهم في هذا النظام الذي يعني أيضا فئات أخرى مثل الصناع التقليديين والمهن الحرة والعاملين لحسابهم الخاص والفلاحين والفنانين. حكومة بنكيران دخلت سنتها الثانية. أي تقييم موضوعي لعمل وزارتكم في ظل التوجهات الرئيسية لهذه الحكومة؟ الدستور الجديد نص بوضوح على عدد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من بينها الحق في الشغل والحق في التغطية الاجتماعية وفي ممارسة الحريات النقابية مع حث الدولة والمؤسسات والجماعات المحلية على القيام بدورها في هذا المجال. الحكومة حرصت في برنامجها على السعي إلى بلورة الأهداف التي نص عليها الدستور الجديد على أرض الواقع وخاصة على مستوى ضمان ممارسة الحريات النقابية والحريات المرتبطة بها وتيسير المفاوضات الاجتماعية والرفع من مستوى الحماية الاجتماعية وتعزيز الحوار الاجتماعي بين الفرقاء الاجتماعيين وتوفير السلامة والتغطية الصحية للشغيلة٬ مبرزا حرص الحكومة على توسيع نطاق دولة الحق والقانون ليشمل كل الفرقاء الاجتماعيين والعلاقات بينهم. مؤسسات الدولة تلعب دورها في حماية الحريات النقابية المنصوص عليها في الدستور وخاصة حين تتعرض هذه الحريات إلى نوع من التضييق في الممارسات»، علما أن التأطير النقابي لازال٬ بصفة عامة٬ ضعيفا بالمغرب إذ أن كل النقابات باختلاف توجهاتها تؤطر قرابة 20 في المائة من الشغيلة مما يصعب تعميم الثقافة النقابية وثقافة الحوار الاجتماعي. في هذا الصدد يمكن القول إن مسؤولية ضعف التأطير النقابي يتقاسمها كل الفرقاء، ومن الضروري تكريس الحريات النقابية كحق وكواقع يمارس بكل سلاسة. لكن لهذه النقابات مطالب . ماذا حققتم منها؟ بخصوص التغطية الصحية بالمغرب نشتغل على أساس نظامين أساسين يهم أولهما القطاع العام والثاني القطاع الخاص ويستفيد منهما حوالي 7 ملايين مواطن٬ إلى جانب نظام المساعدة الطبية (الراميد) الذي يهم 8 ملايين من المواطنين. الحكومة تنكب على وضع الخطوط العريضة لمشروع يستوعب كافة الشرائح الاجتماعية التي لا تستفيد من الأنظمة السابقة الذكر ويوفر التغطية لكل مكونات المجتمع المغربي. هذا العمل ليس بالسهل و سيتم عرض أفكار في الموضوع على جميع الفرقاء في أفق تنظيم ندوة وطنية لمناقشة هذا الموضوع. أما بخصوص نظام التقاعد، قطع الحوار حول إصلاح هذا النظام أشواطا كبيرة. وأذكر هنا بالاتفاق الذي توصلت إليه اللجنة الوطنية المكلفة بهذا الموضوع٬ والذي يعزز فكرة الحفاظ على النظامين الأساسيين الخاصين بالقطاع العام والقطاع الخاص مع إمكانية أن يضاف إليهما أنظمة تكميلية لإدماج الفئات الاجتماعية التي لا تستفيد من خدمات النظامين المذكورين٬ مع الحرص على ضمان ديمومة هذه الأنظمة وكذا توازنها المالي. و قد تم تكوين فرق عمل تنكب على الموضوع وتقديم اقتراحات للجنة الوطنية. وهنا يجب التشديد على الصبغة الاستعجالية لهذا العمل الذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة التي برزت في المجتمع المغربي وخاصة على مستوى الهرم السكاني. وفي ما يتعلق بالتكوين المهني هذا القطاع يمثل إشكالا مصيريا باعتبار أن التربية والتكوين تعكس ملامح المجتمع ومدى استعداده لتحقيق التنمية المستدامة.والحكومة بصدد إعداد إستراتيجية وطنية للتكوين والإدماج٬ سيتم الإعلان عنها عما قريب٬ تهدف بالأساس إلى توفير نظام للتكوين يضمن الإدماج وتستفيد منه شرائح اجتماعية واسعة بدءا بالأطفال٬ وخاصة على مستوى مواجهة إشكالية الهدر المدرسي٬ قصد الإسهام بفعالية في إعداد أكبر عدد من اليد العاملة المغربية وإدماجها في سوق الشغل. هذه الإستراتيجية تستهدف أكبر عدد ممكن من الشرائح الاجتماعية إلى جانب بلورة حاجيات قطاع الشغل. وهذه الإستراتيجية ٬ ستعمل على مرافقة التلاميذ والطلبة لتوجيههم والأخذ بيدهم في تحديد توجيههم في أفق إدماجهم في سوق الشغل٬ مبرزا أهمية العمل في إطار الجامعات والمؤسسات التعليمية لتحقيق نتائج جد إيجابية في هذا المجال تمكن من توفير منتوج يستجيب لمتطلبات التنمية الشاملة ويحفز على الاستثمار.