لقد تم في نهاية المطاف ترجيح كفة المقاربة التوافقية التي ظلت على الدوام محط رهان للجهود الرامية إلى إيجاد حل متفاوض بشأنه ومقبول من قبل الأطراف لقضية الصحراء، وذلك في إطار المشاورات التي تمت على مستوى الأممالمتحدة، وبشكل خاص على مستوى مجموعة أصدقاء الصحراء، التي تضم كلا من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وروسيا والولاياتالمتحدةالأمريكية. فبانخراطها في منطق ينحو إلى تعزيز الجهود المبذولة حتى الآن لإيجاد حل سياسي متفاوض بشأنه للنزاع حول الصحراء، مع الإبقاء على مهمة بعثة (المينورسو) كما تم الاتفاق عليها منذ البداية، تكون المشاورات التي تسبق تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على التوصية المتعلقة بقضية الصحراء، قد أخذت بالاعتبار الاعتراضات التي أثارتها المملكة بخصوص المساعي الرامية إلى تغيير طبيعة مهمة بعثة (المينورسو). لقد كان الحفاظ على التوافق بخصوص هذه القضية، والذي يعد شرطا أساسيا لإعادة إطلاق جهود البحث عن حل متفاوض بشأنه وتعزيز المنجزات التي تحققت، هو عماد كافة المساعي والمبادرات التي قام بها المغرب خلال السنين الأخيرة لتفادي أي انحرافات في مسار التسوية. ومكنت الدينامية التي أطلقتها المبادرات الأولى لجلالة الملك محمد السادس، على ضوء التطورات التي عرفها هذا الملف على مستوى دواليب الأممالمتحدة، والمتمثلة بالدرجة الأولى في إعطاء جلالته تعليماته السامية لعقد اجتماع رفيع المستوى للهيئات التقريرية الوطنية، وما تلا ذلك من تحرك دبلوماسي، من تأكيد وجاهة المقاربة المغربية بخصوص هذه القضية، وكم هو أساسي بالنسبة للمجتمع الدولي عدم الرضوخ لمناورات الخصوم الذين يسعون في الواقع، ما وسعهم الجهد، إلى إفشال مساعي البحث عن حل مقبول من الأطراف وضرب مصداقية المملكة، أكثر مما هم حريصون على طرح قضايا حقوق الإنسان التي ينتهكونها هم أنفسهم بشكل منهجي ومستمر منذ عقود على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي. فليست إثارة مسألة حقوق الإنسان ولا هاجس ضمان حمايتها هما ما يزعج المغرب، وإنما سعي خصوم المغرب إلى توظيف بعثة (المينورسو) قصد تحويل أنظار المجتمع الدولي عن مواقفهم التي تعرقل كل انفتاح يقوم به المغرب من أجل التوصل إلى حل عادل ومنصف على أساس مقترح الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية للمملكة، والذي يظل، كما أكدت على ذلك جميع القوى الوطنية وعلى رأسها جلالة الملك، البديل الوحيد الوجيه وذا المصداقية لوضع حد لهذا النزاع المفتعل. إن الالتفاف في إطار جبهة موحدة الذي أبان عنه المغاربة بكافة مشاربهم ومكوناتهم (حكومة وأحزابا سياسية ومجتمعا مدنيا وجماعات ترابية ووسائل إعلام وصحافة وطنية) للعالم، وذلك في خضم التعبئة التي انطلقت إثر التعليمات الملكية التي أعطيت من أجل عقد اجتماع رفيع يوم 15 أبريل الجاري بحضور رئيس الحكومة ومستشارين لجلالة الملك وقادة الأحزاب السياسية، جعل الجميع يدرك المكانة المحورية التي تحتلها قضية الوحدة الترابية في الوعي الوطني، وطابع الأولوية الذي تحظى به والذي يسمو على كل الاصطفافات السياسية، ويفسر كافة التضحيات التي يقدمها الشعب المغربي من أجل هذه القضية. فبعد هذه المحطة التي مرت بها القضية الوطنية بنجاح، بفضل تعبئة وطنية، وبفضل تسخير كافة القنوات الدبلوماسية مع الشركاء التقليديين للمملكة، وفي مقدمتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية التي تربطها بها علاقات عريقة وتعاون متعدد الأشكال، تبدأ صفحة جديدة في مسار علاقات الشراكات التي تربط المغرب بحلفائه من العالم الحر من أجل العمل سوية للنهوض بقيم السلام والتعاون والتفاهم بين الشعوب وإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة وفي العالم. وفي هذا الإطار، ستواصل المملكة إبداء استعدادها التام للتعاون مع المجتمع الدولي والهيئات الأممية، ومد اليد للأطراف المعادية لإيجاد حل سياسي متفاوض بشأنه ومقبول من طرف الجميع، يضع حدا لمعاناة الساكنة المحتجزة في مخيمات تندوف، الأسر المبعدة عن بعضها، ويجعل المنطقة في منأى عن كافة التقلبات ومخاطر عدم الاستقرار التي تحدق بها.