عرف مفهوم الموظف العمومي عدة صعوبات في تحديد النظام القانوني الذي يحكم قواعد استخدامه، فهل يخضع لأحكام قانون الشغل؟ أم يخضع لأحكام قانون الوظيفة العمومية؟ أم يخضع لقوانين أخرى خاصة؟ الواقع أن تحديد مدلول الموظف العمومي يستلزم استحضار مفهومين أساسيين: مفهوم ضيق (المفهوم الإداري) ومفهوم موسع (المفهوم الجنائي). فالمفهوم الأول تتفرع عنه ثلاثة أصناف رئيسية وفقا لما يلي: 1-الموظفون: وهم الأصناف الذين ينطبق عليهم تعريف الموظف العمومي بالمعنى الدقيق حسب ما جاء في قانون الوظيفة العمومية الصادر في 24 فبراير 1958 فهم لا يختلفون عن باقي موظفي الدولة في الوزارات والمرافق التابعة لها. 2-الموظفون الخاضعون للنظام الخاص للمؤسسة العمومية: وهو نسخة طبق الأصل من القانون العام للوظيفة العمومية، ويتعلق الأمر بالظهير الصادر بتاريخ 19 يوليوز 1962 الذي وحد القانون الأساسي المطبق على العاملين في المؤسسات العمومية ووقع تتميمه بظهير 16 نونبر 1962 وكذلك مرسوم 14 نونبر 1963 وكلاهما يتعلقان بالمناصب العليا ومناصب المديرين في المقاولات العمومية. 3-المتعاقدون: وهم المرتبطون مع المؤسسة العمومية بمقتضى عقود إدارية تتضمن الشروط غير المألوفة في القانون الخاص ويخضعون للقانون العام ومنهم فئة أخرى أبرمت مع المؤسسة عقودا خاصة تشبه العقود المبرمة في ظل قانون الشغل والتي تربط العامل برب العمل(1). وخلافا لجل القضايا الجنائية المعروضة أمام القضاء العادي، فإن المحاكم الاستثنائية تأخذ صفة الجاني كمعيار من معايير الاختصاص، وتبعا لذلك فإن محكمة العدل الخاصة مثلا لا تبت في القضايا المعروضة أمامها إلا إذا كان المتهم فيها موظفا عموميا، وهذا ما يدفعنا إلى بحث مفهوم الموظف العمومي الذي يثير عدد من الإشكاليات أمام محكمة العدل الخاصة، ويختلف باختلاف الدول والأنظمة القانونية، وهكذا يمكن أن نقول بأن الموظف العمومي مفهومين أحدهما إداري (المبحث الأول) وثانيهما جنائي (المبحث الثاني). -المبحث الأول: المدلول الإداري للموظف العمومي: يثير تعريف الموظف العمومي إشكالية تتمثل في وجود محاولات متعددة لتحديد العناصر الأساسية التي يجب أن تتوفر في هذا التعريف. ونلاحظ أن هذه المحاولات تتأثر بمختلف العوامل والتطورات التي عرفها تحديد مفهوم القانون الإداري نفسه ومجالات تطبيقه. لهذا نجد تعريف الموظف العمومي يتأثر بتطور معايير تطبيق القانون الإداري ، يعني هل يكفي أن يكون الشخص في خدمة الإدارة ليعتبر موظفا عموميا، أم يجب أن يكون في خدمة الإدارة بصفتها سلطة، أم يجب فقط أن يكون في خدمة المرفق العام لم يصبح كافيا لتطبيق قواعد القانون الإداري، وبالتالي لا يكفي أن يكون الشخص في خدمة مرفق عام حتى نعتبره موظفا عموميا(2). و قد لعب الفقه و القضاء دورا مهما في تحديد مفهوم الموظف العمومي، ثم يأتي المشرع أحيانا ليتبنى هذا التعريف بصفة عامة أو يحدد بشكل أدق بعض جوانبه. لذا، سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين أساسيين، نتناول في الأول التشريع والفقه والقضاء المقارن، ونتطرق في الثاني لموقف القانون الإداري المغربي. - المطلب الأول: مفهوم الموظف العمومي في التشريع و الفقه و القضاء المقارن: بالإضافة إلى مختلف النصوص التشريعية في القانون المقارن، حاول الفقه والقضاء أن يقدم تعريفا دقيقا للموظف العمومي، ويتجلى هذا المجهود في الوصول إلى تحديد عناصر أساسية يجب توفرها في الشخص العامل بالمؤسسة العمومية حتى يمكن اعتباره موظفا عموميا، وبالتالي تمييزه عن باقي الأشخاص الذين يعملون بها. واستفادة من النتيجة التي توصل إليها الفقه والقضاء في تعريف الموظف العمومي، عمد المشرع في معظم الدول التي تميز بين الموظف العمومي وغيذه من المأجورين إلى تقديم تعريف للموظف العمومي من خلال إبراز وتحديد الشروط التي يجب توفرها فيه، وبالتالي التأثير على العناصر الأسئسية اللازمة لتحديد الموظف العمومي(3). لكن بصفة عامة يبدو أن جل تعريفات الموظف العمومي التي تناولها التشريع والفقه والقضاء في الأنظمة المقارنة تتسم بالتباين و الاختلاف و التقارب في أحيان كثيرة ، إلا أن معظم فقهاء القانون الإداري إلى جانب القضاء يتفقون على اشتراط ثلاثة عناصر أساسية في مفهوم الموظف العمومي، وهي: - القيام بالعمل بصفة دائمة. - العمل بمرفق عام معين. - التعيين من طرف سلطة مختصة. و أمام هذا التباين في التعريفات، نلاحظ أن جل التشريعات المقارنة لم تقدم تعريفا شاملا جامعا لمفهوم الموظف العمومي(4)، وذلك راجع بالأساس إلى أن الصياغة الحديثة للقوانين تميل إلى عدم إيراد التعاريف قدر الإمكان، تاركة تلك المهمة للفقه والقضاء كي يعملا على تطوير القواعد القانونية. ولتوضيح هذا التباين سنتطرق إلى محاولات وجهود التشريع والقضاء المقارنين كل على حدة. يتبع *باحث جامعي، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار لبيضاء. --------- * هوامش (1) - عبد الله حداد، المرافق العمومية الكبرى: دراسة نظرية وتطبيقية، دار توبقال للنشر 2002، الطبعة الأولى، ص10. (2) - عبد القادر باينة، الموظفون العموميون في المغرب، الدارالبيضاء، دار توبقال للنشر 2002، الطبعة الأولى، ص10. - (3) عبد القادر باينة، الموظفون العموميون في المغرب، مرجع سابق، ص11. (4) - يطلق على الموظف في فرنسا مصطلح «fonctionnaire public»، وفي إنجلترا تعبير خادم الملك « servant of the crown »، وفي سويسرا يطلق عليه تعبير المستخدم «employé» ، وفي ألمانيا «beamte»، وفي تونس «المتوظف»، وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية يطلق عليه عدة تسميات من بينها مصطلح مستخدم عمومي «public worker »...