التفوق الأجنبي وانتكسات المغرب عسكريا وراء ظهور فكرة الإصلاح في القرن 19 حاول متدخلون في ندوة حول «أسئلة الإصلاح في المغرب الحديث»، عقدت، أول أمس الأحد، بقاعة أحمد الطيب لعلج ضمن فعاليات الدورة ال 19 للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، مقاربة مفهوم وسياق الإصلاح في القرن ال 19، كمطلب ظل وما يزال إلى الوقت الراهن مطلبا ملحا لدى المجتمع المغربي. وذكر الأستاذ رشيد يشوتي أن هذه الندوة تأتي بمناسبة صدور العدد 93/94 من مجلة المناهل، والتي تمحورت مواضيعه حول أربع نقاط هي: مرتكزات الفكر الإصلاحي، وشخصيات ونماذج إصلاحية، وفي سياق الإصلاح، إضافة إلى تعريب مجموعة من الأعمال الأجنبية تحت عنوان «إضاءات». وأوضح يشوتي أن الأستاذ زكي مبارك ساهم بموضوع مهم حول الرحلات المغربية إلى الشرق والغرب، مقدما نماذج عن مجموعة من الرحالة المغاربة، كما حاول كشف الضوء على شخصيات جديدة في تاريخ الرحلات إلى المشرق، لاسيما بعد الغزو الفرنسي لمصر كأبي إسحاق إبراهيم التادلي. وأضاف الباحث في التاريخ المعاصر، أن مبارك ركز على مجموعة من الإصلاحيين المغاربة، ومن أبرزهم محمد بن الحسن الحجوي، وإدريس بن إدريس العمراوي، والفقيع الكردودي، ولو أنه أعاد ما سبقه إليه الأستاذ عبد المجيد القادوري السفارية والدبلوماسية منتصف القرن التاسع عشر. وأشار يشوتي إلى أنه في سياق السياسة الإصلاحية للمغرب، والتي جاءت بعد ظهور وعي بالتأخر في مختلف مناحي الحياة، قام السلاطين المغاربة في تلك الحقبة بإيفاد بعثات من الطلاب للتمدرس بالدول الأجنبية، ما نتج عنه ولادة نخبة جديدة، لكنها مع الأسف فشلت لعدة اعتبارات. من جانبه، تحدث الأستاذ مصطفى الشابي الباحث في تاريخ المغرب، عن السياق العام لظهور فكرة الإصلاح في القرن ال 19 والانعكاسات التي ترتبت عنها، والتي تتركز على موضوعين هما النخبة المخزنية والنخبة المثقفة والجيش المغربي، بناء على 4 نقاط هي مسألة المصطلح، والسياق التاريخي، وتجليات الإصلاح، ثم أخيرا الحصيلة والخلاصات. وقال الشابي إن الإصلاح كلمة لا تنطبق على ما عرفه المغرب في هذه الحقبة سواء على صعيد الإدارة أو المالية أو الجيش... الخ، لأنها تتطلب تمهيدات وتعديلات، والتي تنهي ما كان معمولا به في السابق، وبالتالي يمكننا الحديث عن تحديث أكثر من كونه إصلاحا، مشيرا إلى أن المغرب منذ 1830 كان يعيش في أمن نسببا، لأن الأجانب كانوا بعيدين عن التدخل في شؤوون الدولة. وأبرز الشابي، في معرض مداخلته، السياق التاريخي لظهور الإصلاح، حيث قال إن المغرب اضطر بعد غزو فرنسا للجزائر للدخول في مفاوضات هو في غنى عنها، وبحكم أواصر الجوار، قدم آنذاك السلطان عبد الرحمان بن هشام (1822-1859) العون والمساعدة للأمير الجزائري عبد القادر في حربه ضد الفرنسيين. وأشار الباحث في تاريخ المغرب، إلى أنه في وقت كانت المؤسسات والقطاعات المخزنية تقوم بمهامها، انجر المغرب للتعامل مع الأجانب، مضيفا أن معركة إيسلي كانت بداية ظهور الوجه الحقيقي للمغرب، والذي عاش لعقود طويلة على مأثرة معركة وادي المخازن في العهد السعدي. وتابع الشابي حديثه قائلا إنه بعد أن أدرك المغرب التفوق الفرنسي الذي بلغ شأوا كبيرا من الناحية العلمية، ونجح في إدخال إصلاحات على المجتمع الفرنسي وبدأ في التفكير في الغزو الخارجي، وبات المغرب مطالبا بفعل شيء لتدارك الموقف، وهنا ظهرت فكرة الإصلاح في المغرب. وما جعل الإصلاح ضرورة ملحة أيضا، يقول الأستاذ الباحث، هو أن معركة تطوان (1859-1960)، والتي انهزم فيها المغرب أمام الإسبان الذي صنف جيشه في الخانة الثالثة من حيث القوة، أزاحت حجاب الوقار عن المغرب، وكلفته 100 مليون ريال أداها على مدار 20 سنة، وبذلك افتقد العنصر المادي الذي يلعب دورا كبيرا في الإصلاح، ناهيك عن العنصر البشري. واعتبر الشابي أنه مع السلطان مولاي الحسن سيأخذ الإصلاح طابعا آخر، حيث سيوفد مولاي الحسن بعثات طلابية إلى الخارج، كما أنه كان ذكيا في تعامله مع الدول الأوروبية، ما أدى إلى تكوين أطر من بينهم محمد الكباص ومحمد بن عبد الله الخطيب، إلا أن الطلاب لم يستعملوا في الأماكن المناسبة في وقت أنفق المغرب أموالا كثيرة لتكوينهم. وتم خلال هذه الندوة مقارنة السياسة الإصلاحية للمغرب مع اليابان في نفس الفترة، حيث لم يستفد المغرب من البعثات الطلابية للخارج، في حين أن اليابانيين ساهموا في تطوير بلدهم، ويستطرد الشابي، قائلا إن هناك اختلافات ما بين عهد «الميجي» باليابان والمغرب، خاصة فيما يتعلق بثقافة كل بلد، ومدى بعده أو قربه جغرافيا من أوروبا. وركز المتدخلان على شخصية من أبرز الإصلاحيين في تلك الحقبة، وهو محمد بن الحسن الحجوي، واعتبرا أن الحجوي كان ضحية لآرائه مع السلطان مولاي عبد العزيز، رغم أنه كان عالما مقتدرا، بل إنه كان تقدميا في مواقفه من الناحية الفكرية، إلا أن توجهه السياسي الموالي للاستعمار ألب المغاربة عليه آنذاك.