بيتر بيرغن مثُل مؤخرا أمام محكمة ابتدائية بمنهاتن سليمان أبو غيث، صهر أسامة بن لادن والمتحدث السابق باسم القاعدة، ليواجه تهما بالتآمر من أجل قتل أميركيين، وهو أمر قد يسلط الضوء على الحقيقة المفاجئة أن أعضاء من الدائرة المقربة لأسامة بن لادن كانوا في العشرية الأخيرة يعيشون في إيران. وعلى إثر قرار أبو الغيث مغادرة ملجئه الآمن نسبيا في إيران إلى تركيا منذ بضعة أسابيع، تعاقبت سلسلة من الأحداث أوصلته إلى منهاتن للمحاكمة. ونقلت الصحيفة التركية «حريات» أن أبو الغيث اعتقل في العاصمة التركية أنقرة في بداية شهر فبراير، ثم قررت تركيا تسفيره إلى بلده الأصلي الكويت عبر الأردن حيث اعترضته عناصر من مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف.بي.أي) ونقلته إلى نيويورك. وكما هو معلوم هرب الكثير من أفراد عائلة بن لادن وأعضاء من المجموعة المقربة منه من أفغانستان إلى باكستان بعد سقوط نظام طالبان في شتاء سنة 2001، لكن الكثير من الناس لا يعرفون أن بعضهم هرب أيضا إلى إيران المجاورة. وتكشف وثائق أميركية رسمية أن من بين المجموعة المقربة لبن لادن الذين هربوا إلى إيران، إلى جانب أبو الغيث، القائد العسكري الكبير في القاعدة سيف العدل، وهو ضابط سابق في القوات الخاصة المصرية، وقد شارك في محاربة السوفييت في أفغانستان، وكذلك سعد بن لادن، أحد أكبر أبناء زعيم القاعدة. من باكستان إلى إيران قضى سعد بن لادن الأشهر الستة الأولى من سنة 2002 في كراتشيجنوبباكستان، ومن هناك ساعد إحدى زوجات أبيه خيرية بن لادن والعديد من إخوته على الانتقال من باكستان إلى إيران. ولسنين عديدة عاش أفراد عائلة بن لادن في العاصمة الإيرانيةطهران. وعلمت الاستخبارات الأميركية أن بعض الناشطين في القاعدة كانوا يعيشون في مدينة جالوس في شمال إيران على ساحل بحر قزوين. وفي سنة 2002 تم التخطيط لعملية تقوم بها القوات البحرية الأميركية الخاصة «نيفي سيل» في جالوس ثم تم التدرب عليها على سواحل الخليج الأميركي. لكن رئيس الأركان المشتركة الجنرال ريتشارد مايرز ألغى العملية لعدم وضوح المعلومات حول المكان المحدد لسكنى أعضاء القاعدة. وبعد سنة من إلغاء العملية أعطى سيف العدل، من ملجئه في إيران –حسب مسؤولين أميركان وسعوديين- لفرع القاعدة في الجزيرة العربية الأمر بتنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية في المملكة العربية السعودية. أولى هذه الهجمات شهدتها العاصمة الرياض في شهر مايو 2003. عداء متبادل تناقض كبير في العلاقة بين نظام الملالي وتنظيم القاعدة، وأمر مثير للحيرة والشكّ أن يجد عدد من زعماء تنظيم القاعدة وأفراد عائلة بن لادن الملجأ في إيران، نظرا إلى أن رجال الدين الشيعة في السلطة في طهران يكنّون عداء للسنة المتطرّفين في القاعدة، وهو عداء متبادل. لكن رغم ذلك، يرى الناشطون في تنظيم القاعدة أن الحياة في إيران أكثر أمانا مقارنة مع ما حياة الكثير من زملائهم في باكستان الذين يتعرضون إلى مخاطر الاعتقال من طرف القوات الباكستانية المتعاونة مع «سي.أي.إيه» أو القتل عن طريق الطائرات دون طيار. في المقابل، ربما رأى النظام الإيراني أنه يمكن استغلال أعضاء في القاعدة، المتواجدين في حمايتهم، كأداة للتفاوض مع الولاياتالمتحدة الأميركية في صورة إجراء أية مفاوضات. لكن تلك الصفقة السلمية لم تحدث أبدا. وبالطبع ربما تتصرف إيران من منطلق القول المأثور «عدو عدوي صديقي». لم يتبيّن إلى حد الآن دليل ملموس حول التعاون بين إيران والقاعدة، إلا أن لجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر 2001 وجدت أنه من بين المختطفين التسعة عشر للطائرات، قام من ثمانية إلى عشرة ناشطين سعوديين بالدخول إلى إيران أو الخروج منها بين أكتوبر- تشرين الأول سنة 2000 وفبراير – شباط 2001. وهذا الأمر يدعو إلى التساؤل حول الدور الإيراني في أحداث تفجير مركز التجارة العالمي. الحرب على صدام لقد كانت الحكومة الأميركية في ذلك الوقت على علم بوجود زعماء من القاعدة في إيران بداية من سنة 2002 (في الواقع في بداية سنة 2003 أعلمني مسؤولون في مكافحة الإرهاب بهذه المسألة). هناك ما يثير السخرية في المسألة فقد حدث ذلك في نفس الفترة التي ادعى فيها كبار المسؤولين الأميركيين في إدارة الرئيس جورج بوش وجود أعضاء من القاعدة في بغداد وتكوّن تحالف بين القاعدة والعراق بقيادة صدام حسين، واستعملوا هذه الحجج لتبرير الحرب على صدام العدو اللدود لإيران. وبعد خمس سنوات من غزو العراق توصلت لجنة مجلس الشيوخ حول الاستخبارات إلى نتيجة أنه لم تقع أية علاقة تعاون بين صدام والقاعدة، وهي النتيجة نفسها التي توصلت إليها كل التحقيقات الرسمية الأخرى. وفي سنة 2008 اختطف ناشطون في القاعدة حشمت أطهرزاده نياكي، دبلوماسي إيراني، في مدينة بيشاور غرب باكستان. وبعد احتجازه لما يزيد عن السنة أطلق المقاتلون سراحه بهدوء ليعود إلى إيران في ربيع سنة 2010. وكانت هذه العملية جزءا من صفقة مكّنت بعض أفراد من عائلة بن لادن وأعضاء القاعدة الموجودين تحت الإقامة الجبرية في إيران من الخروج، حسب مسؤول باكستاني على علم بالصفقة. بيد أن هذه الصفقة لا تعني أن العلاقات بين الإيرانيين والقاعدة أصبحت فجأة جيدة، إذ كشفت وثائق وجدت في مسكن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مدينة أبوت آباد الباكستانية، على إثر مداهمة القوات الأميركية الخاصة له في الأول من شهر مايو 2011 وتم نشرها منذ ذلك الوقت، عن علاقة متوترة بين القاعدة والسلطات الإيرانية. ف في رسالة كتبها، قبل خمسة أيام فقط من مقتله، وصف بن لادن وثيقة أرسلها له ابنه سعد، الذي كان يعيش في إيران لعدة سنوات، بقوله إنها «تكشف حقيقة النظام الإيراني». وبالرغم من غموض المعنى الدقيق المقصود، من الواضح بالرجوع إلى بعض الرسائل الأخرى التي عثر عليها في المسكن أن بن لادن ورجاله كانوا لا يثقون بالنظام الإيراني. وتحتوي رسالة، موجهة إلى بن لادن من رئيس أركانه بتاريخ 11يونيو-حزيران 2009، على عرض مفصل عن مجموعة من القيادات الوسطى لتنظيم القاعدة أفرج عنهم الإيرانيون منذ وقت قريب تتكون من ثلاثة مصريين ويمني وعراقي وليبي. وعزا رئيس أركان بن لادن هذا الإفراج إلى اختطاف القاعدة للدبلوماسي الإيراني في بيشاور، بيد أنه أضاف أن الإيرانيين «لايريدون أن يظهروا بأنهم يتفاوضون معنا أو يردون الفعل ضد ضغوطنا...». وفي رسالة أخرى، لا تحمل تاريخا، من بن لادن إلى رئيس أركانه، يقدم زعيم القاعدة مجموعة من التعليمات المفصلة عن أفضل طريقة للتعامل مع أفراد عائلته الذين يعيشون في إيران عند إطلاق سراحهم. ويوصي بن لادن في الرسالة بالحذر الشديد «بما أنه لا يمكن الثقة في الإيرانيين». ومن ضمن الاحتياطات الأخرى ذكر بن لادن أن أفراد عائلته «يجب تنبيههم إلى أهمية التخلص من كل شيء يتلقونه من إيران مثل السلع أو أي شيء حتى ولو كان في صغر حجم الإبرة بما أنه توجد رقاقات تنصت صممت لتكون صغيرة إلى حد يمكن وضعها في إبرة حقنة طبية». ويذكر بن لادن في هذه الرسالة بالاسم عددا من أبنائه الموجودين في إيران بما في ذلك أبناؤه لادن وعثمان ومحمد وابنته فاطمة زوجة سليمان أبو غيث التي تقبع حاليا في سجن منهاتن. وفي شهر أكتوبر – أعطت الخزانة الأميركية أسماء ستة أعضاء من القاعدة يعيشون في إيران وصفتهم بالإرهابيين وتقول إنهم يموّلون الأنشطة الإرهابية في باكستان ويرسلون المقاتلين والمال إلى سوريا لمحاربة نظام الأسد. لم يقم أبو الغيث بدور عملياتي في صلب القاعدة، وهي حقيقة أشير إليها في التهم الموجهة إليه الأسبوع الماضي في منهاتن وهي تُهم تتعلق بدوره في الترويج للتنظيم. لذا من المنتظر أن ينصب اهتمام المحققين الأميركيين خاصة على الطبيعة الدقيقة لترتيبات القاعدة في إيران ونوع الأنشطة المرتبطة بأعضاء القاعدة الستة المشار إليهم من قبل الخزانة الأميركية. ونظرا إلى أنه منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر أدانت محاكم نيويورك المتهمين بنسبة مئة بالمائة في قضايا تتعلق بالقاعدة والتنظيمات المرتبطة بها، يمكن لأبو الغيث دون شك أن يحصل على صفقة التماس مغرية لنفسه إذا أعطى رواية كاملة تزيح الغموض عن العشر سنوات التي قضتها القاعدة في إيران.