السفر بألوان الخيال الروائي بمدينة طنجة، وعلى مدى يومي خامس عشر وسادس عشر فبراير الجاري، كان الموعد مع الندوة التي هيأ وأشرف عليها منتدى الفكر والثقافة والإبداع ومختبر السرديات تحت عنوان (الروائي والرحلة) انطلاقا من سؤال مركزي ألا وهو: كيف يكتب الروائي نصه الرحلي؟ في الجلسة الأولى والتي ترأسها خليل الدامون، تدخل شعيب حليفي بورقة عن «الرحلة بوصفها نصا ثقافيا « دارسا ومُقاربا بعض النصوص التأسيسية لهيكل والدوعاجي والعجيلي وغلاب. فيما ذهب عبد الحميد عقار في ورقته حول رحلة حسونة المصباحي «التيه، رحلات إلى مدن من الشرق والغرب» إلى أنها نص خاص مركب بمدى روائي لافت ينصهر بمحكي الأسفار والسيرذاتي، بذلك الشغف في التقاط الأصوات والتيه والتماثلات. أما شرف الدين ماجدولين فتحدث في مداخلته الموسومة ب»السفر والتخييل والمقايسة الهجائية» في رحلة سبع سماوات لسعد القرش مركزا على لعبة المقايسة بين الهنا والهناك عبر السفر إلى الداخل العميق بلغة شفافة ضخ من خلالها الكاتب من حسه ومعارفه ما جعل رحلته ترتقي على النثر الروائي . وحول رحلة علي بدر «خرائط منتصف الليل « قدم عبد الفتاح الحجمري ورقته ( شمس رائعة تنزل على الماء ) ممهدا لها بعدد من الاسئلة النظرية حول فن الرحلة قبل أن ينتقل إلى تفكيك رحيلات علي بدر والتي كانت تبحث وتكتب عن الأمكنة والشعراء والأحداث المألوفة، متوقفا عند رحيلة الكاتب إلى إيران وعمقها الأدبي والفكري والفني. في حين كانت ورقة صادق السلمي (اليمن) حول « التخييلي والرحلي في الرحلة الروائية للكاتب اليمني عبد الله باوزير (أيام في بومبي) وهي رحلة علاجية إلى الهند، قارب فيها الباحث العتبات النصية ثم التخييل والواقع وتعالقهما من خلال المكان والأحداث. واختتمت هذه الجلسة بورقة قدمها محمود عبد الغني، بعنوان «الرحلة والإنبهار المعكوس في «النخيل والقرميد» ليوسف المحيميد، معتبرا أن السفر شكل من أشكال المعرفة والإبداع، أما رحلة يوسف المحيميد فقرأها من ثلاث زوايا: الذاكرة التي تكتب الرحلة؛ والطفولة في حضورها المحرك للتذكر؛ ثم الإنتقاء في سرد الأحداث والوقائع. وفي جلسة اليوم الثاني والتي ترأسها أحمد فرج الروماني فقد افتتحت بتدخل يحيى بن الوليد بقراءة في رحلة الكاتبة المغربية ليلي أبو زيد «بضع سنبلات خضر» (1979)، باحثا في مضامين النظرة المتضمنة في النص، وطبيعة اللغة الشفافة والهادئة التي تعتمدها الكاتبة في التقاط ما يمكن عدّه بمثابة «نبض لندن». وفي سياق الوصل ما بين «النصية» و»التاريخية» بحث في ما يضمن للنص حضوره داخل «أدب الرحلة». وتلاه محمد المسعودي بورقة عن رحلة للروائي المصري خيري شلبي ( فلاح مصري في بلاد الفرنج)، اشتغل فيها على التقنيات الجديدة والسخرية وضمير الكتابة والشخصيات الثلاث (حامل القلم والفلاح والذي يري ) والتي هي شخصية واحدة يتخذها الكاتب / الرحالة قناعا للقول والإمتاع . وجاءت ورقة ناصر ليديم بعنوان ( نفس السرد، حينما يقبض الروائي على الرحالة ) في رحلة أحمد المديني « رحلتي إلى البرازيل «، توقف فيها عند الأثر المجهول الذي تقتفيه الرحلة والحقائق التي تستنطقها في فضاء متعدد الأبعاد متسلحا بوعي فكري وإيديولوجي مسبق ومحددات ومرجعية يستمد شرعيتها من الممكن والمحتمل. أما ورقة إبراهيم أزوغ حول رحلة إبراهيم عبد المجيد «الى أين تذهب طيور المحيط «فقد نظر إليها باعتبارها أفقا آخر للإبداع الروائي من خلال السفر إلى أماكن موسكو وأوربا والمغرب وحضور التداخلات النصية والمكون التاريخي والسيرذاتي. فيما ذهبت الورقة الأخيرة من هذه الجلسة لأحمد بلاطي إلى البحث في تداخل التسجيلي والتخييلي في رحلة (مدينة الغرباء مطالع نيويوركية) لجمال الغيطاني مقاربة السمات النصية وإشراطات إنجازها والتيمات المعالجة وأخيرا الأسئلة التي ظلت عالقة بلا إجابة في هذه الرحلة. أما مداخلة محمد بوعزة فقد تناول فيها «كتاب الأيام» للروائي شعيب حليفي بصفته نصا إشكاليا وتراوحه بين ميثاق الرحلة وغواية التخييل السردي، باعتباره نصا يتشكل على الحدود الشائكة بين الرحلة والرواية، لأن ما يشكل ديناميته الداخلية هو ما أسماه الباحث بالخيال المترحل. وليس النسق المغلق. وقد ركز محمد بوعزة على كيفية تمثيل النص للمكونات الرحلية وفق الإستراتجية السردية والرؤيوية التي يقترحها النص، القائمة على ترحيل المكونات النصية من سياق التاريخ والمرجعي إلى سياق التخييل، عبر الخوض في العمليات السردية البنائية والرمزية. وبخصوص رحلة أمجد ناصر (رحلة في بلاد ماركيز) تحدث خالد أقلعي بتفصيل عن السمات والخصائص الفنية المائزة لهذه الرحلة، مبينا العنصر الروائي فيها واللغة الشاعرية التي شكلت عمادا رئيسا في نقل تجربة أمجد ومقارناته بين ما عاشه وبين ما يحياه. وذهب محمد البغوري في مداخلته عن رحلة خليل النعيمي (قراءة العالم، رحلات في كوبا، ريو دي خانيرو، مال، لشبونة، والهند الوسطى ) إلى تقديم قراءة من منظورين واقعي ومتخيل وكيف تمكن النعيمي من إبداع نص رحلي بنَفس روائي متجدد. وقدم بوشعيب الساوري ورقة في موضوع « الرحلة المفارقة في الهندوس يصعدون إلى السماء» للروائي والقاص العراقي وارد بدر السالم، مبرزا كيفية حضور الروائي في بناء هذا العمل الرحلي، وكيف يسهم في إخراج هذا النص الرحلي عن نمط الكتابة الرحلية. وذلك من خلال تمظهر نصي جعل هذا النص ينطبع بحس روائي، وهو المفارقة التي تُعد حقلاً للتنافر والتوتر نظراً لكون هذا الأخير يعد أحد الشروط المتحكمة في الرواية، ومن المكونات الجوهرية التي ينبني عليها جنس الرواية، وهو علامة فارقة في إنتاجه. وهذا ما يحصل في رحلة «الهندوس يصعدون إلى السماء»، التي تعبر في كثير من المواقف عن تنافر انتقادي. وحول (مغامرة السرد وسرد المغامرة قراءة في «مفاكهة الخلان في رحلة اليابان») ليوسف القعيد، جاءت ورقة مصطفى الغرافي مستجلية العناصر البانية لدينامية السرد والتسريد ومظاهر التداخل والتلاقح بين الواقعي المرجعي والتخييلي الروائي، فيما يمكن الاصطلاح عليه ب مغامرة السرد وسرد المغامرة». ذلك أن انبناء محكي السفر كما تجسد قصة وخطابا في نص «المفاكهة» يخضع لعملية تحويل وتحوير مستمرة تنتقل بموجبها وقائع الرحلة من نص فعلي مرئي إلى نص لغوي تخييلي يستقطب مختلف وسائل التمثيل السردي من أجل تشييد واقع «محتمل» يتأسس انطلاقا من معطيات واقع فعلي حقيقي. أما ورقة عبد المنعم الشنتوف (تمثيلات الرحلة في «خلوة الغلبان») لإبراهيم أصلان، بحثت عن التخييلي والواقعي، بالتركيز على تشكل البورتريهات التي حفل بها النص، بالإضافة إلى الاستثنائي والمدهش والمثير للسؤال فيما يسم الشخصيات في الرحلة والموزعة بين الصحفي والناقد والشاعر والروائي وبين ابن الحارة البسيط وموظفة الاستقبال الفرنسية ذات الأصول المغربية والمغترب المصري اليهودي والمواطنة الفرنسية البسيطة. وقاربت الورقة الأخيرة لميلود الهرمودي، رحلة الجزائري رابح خدوسي (انطباعات عائد من مدن الجمال) اهتمت بالتعالق بين التخييلي والواقعي، وآليات حضورهما من خلال حدود التقاطع بين الثلاثي: المؤلف (الرحالة) / السارد / الروائي، وكيف يتم تقمص الأدوار داخل الرحلة في تفاعلها مع أجناس سردية كالرواية، وإلى ذلك الحضور الخصب لخطابات موازية كالشعر والتاريخ والجغرافية والتراجم.. هذا، مع تتبع خطابات المتخيل عبر قنوات التحويل المجسدة في اللغة من الرحلة باعتبارها فعلا إلى الرحلة كإنجاز (التقييد)، مع ملامسة بنية الفضاء والزمن، ارتباطا بمرجعيتهما الواقعية أو المتخيلة. وقد اختتمت الندوة بنقاش عام مع توصيتين: الأولى بعقد الجزء الثاني والثالث من هذه الندوة، بالدار البيضاء والشاون، حول الرحلة العربية المعاصرة كما كتبها الشعراء والمفكرون والصحفيون. أما التوصية الثانية، فتتمثل في أن يقوم مختبر السرديات بنشر أشغال الندوة في كتاب محكم.