يحتفي برنامج «توحشناك» الذي بدأ عرضه على التلفزيون المغربي (دوزيم) بالأسماء الفاعلة في الحقل الثقافي والفني المغربي ويستعيدها بغية تقديمها للجيل الجديد واستحضار ما قامت به في خدمة الثقافة المغربية بكل تجلياتها الإبداعية، وذلك من طريق دعوة مجموعة من الضيوف للحديث عن صاحب الاسم المحتفى به والإدلاء بشهادتها حوله. وكل ذلك مقرون بصور عنه وبلقطات مستقاة من أرشيف التلفزيون المغربي حول مسار الضيف واللحظات المميزة فيه. البرنامج عن فكرة وإعداد الموسيقي المغربي سعيد الإمام. واسمه (معنى الكلمة «اشتقنا إليك») مستوحى من الريبرتوار الغنائي المغربي وتحديداً من أغنية «توحشناك» من ألحان الموسيقار الراحل عبد الرحيم السقاط وأداء المطربة المصرية دلال وحيد. وتميزت الحلقة الأولى باستعادة مسيرة الطيب لعلج. هذا الفنان المغربي الكبير الذي رحل أخيراً عن الوسط الثقافي والفني تاركاً خلفه تراثاً أدبياً وفنياً كبيراً، هو الذي كتب وأخرج للمسرح المغربي الكثير من المسرحيات التي شكلت محطات فارقة في تاريخه.كما كتب كلمات أشهر الأغاني المغربية التي غناها كبار المطربين في المغرب مثل عبدالوهاب الدكالي وعبدالهادي بلخياط ونعيمة سميح وغيرهم. افتتح البرنامج بتقديم لقطة معبرة يظهر فيها الراحل الطيب لعلج وهو يقرأ بعمق في أحد المجلدات الكبرى ثم تظهر زوجته بالقرب منه وهي تخاطبه في أمر ما. تلى ذلك شهادات بعض الكتاب والفنانين الذين كانوا قريبين منه أو من تجربته الثقافية والفنية. وعلى هذا النحو جاءت شهادة الفنان القدير الطيب الصديقي قوية في حق الراحل إذ ذهب إلى اعتباره أستاذاً له، مؤكداً أنه ترك أهل المسرح المغربي بوفاته يتامى. وهي شهادة عميقة تأتي من أحد أعمدة المسرح المغربي والعربي الكبار. كما جاءت شهادة المسرحي عبدالكريم برشيد صاحب مذهب الاحتفالية المسرحية لتوضح بعض الأمور حيث اعتبر أن الطيب لعلج لم يكن مقتبساً في المسرح بل مؤصلاً له. وأوضح برشيد أن لعلج حتى عندما يستفيد من كتّاب المسرح العالميين وينقل مسرحياتهم إلى الدارجة المغربية لم يكن فيها مقتبساً فحسب وإنما مؤصّلاً لفن جديد هو الفن المسرحي المغربي. وتميزت شهادة الموسيقار عبدالوهاب الدكالي بعمقها اذ ركز على المجال الغنائي الذي كتب فيه الطيب لعلج أقوى الأغاني المغربية ومنها أغنية «ما أنا إلا بشر» التي لحنها وغناها الدكالي وامتد صيتها مغرباً ومشرقاً بحيث غناها كثير من الفنانين العرب الكبار مثل صباح وعلي الحجار وأصالة وسواهم. أما شهادة المخرج والممثل السينمائي حميد باسكيط فركزت بالأساس على مساهمات الراحل في المجال السينمائي واستشهد في هذا الصدد بالفيلم المغربي الذي جمع بينهما وهو فيلم «صلاة الغائب» للمخرج حميد بناني. إضافة إلى الفيلم الشهير «جارات أبي موسى» للمخرج المغربي محمد عبدالرحمان التازي الذي جسّد فيه الراحل دوراً مهماً هو دور القاضي بكثير من التألق. وفي شهادة حسن لعلج (ابن الراحل) حكى أن أباه كان عصامياً في تعليمه وأنه كان في بداياته، يطلب من أصدقائه أن يكتبوا قصائده الزجلية التي كان يمليها عليهم. ثم ما لبث أن تعلم القراءة والكتابة بعد ذلك وهو في حدود سن الثامنة عشرة، لينطلق مساره الثقافي والفني بقوة. أما شهادة الباحث والزجال المغربي مراد القادري فانصبت على كيفية تطوير الطيب لعلج الدارجة المغربية وجعلها تعبر بكثير من الشاعرية عن ذاتها، بحيث منحها قوة تعبيرية جديدة تنزاح عن العادي وتدخل في صميم الإبداع. وتخللت هذه الشهادات وغيرها بعض اللقطات المضيئة من مسرحيات الراحل، ما جعل من هذه الحلقة سجلاً توثيقياً مهماً لمسار الطيب لعلج وتعريفاً به وبإنتاجه الأدبي والفني الذي جعله أحد عمالقة الثقافة المغربية في هذا العصر.