المعطيات التي كشفها النظام الاعلاميائي الخاص بتتبع الشهادات الطبية في وزارة التربية الوطنية يثير فعلا الكثير من الأسئلة وسط آباء وأولياء التلاميذ، ولدى كل المهتمين بواقع ومستقبل منظومتنا التعليمية الوطنية، بالإضافة إلى كون المشكلة تمس قطاعات وميادين أخرى غير قطاع التربية والتعليم. لقد أحصى النظام المذكور 17640 شهادة طبية وردت على وزارة التربية الوطنية في الفترة من 24 يونيو إلى 24 دجنبر 2012 ، بمختلف مناطق المملكة، بعدد أيام مرض بلغت 55852 يوما، منها 16743 شهادة سجلت في صفوف هيئة التدريس، بلغ مجموع أيامها 53328 يوما، أي أن أزيد من خمسين ألف يوم عمل ضاعت بسبب الشهادات الطبية. قد يكون بعض هذه الشهادات، أو أغلبها حتى، مبررا، وقد تكون كل الإجراءات لنيلها سليمة مسطريا وطبيا، لكن كل ذلك لا يعفي من تسجيل ضخامة الرقم، وانعكاس ذلك على العملية التعليمية، وعلى حقوق التلاميذ. كما يجدر الانتباه إلى أرقام أخرى تم الإعلان عنها في ثنايا هذه المعطيات، وذلك على غرار حالة طبيب واحد سجل أنه سلم 229 شهادة طبية، ثم كثرة عدد الشهادات المسلمة من الطب العام (11061)، فضلا على أن القطاع الطبي الخصوصي هو المصدر الأول للشهادات الطبية بمجموع 9644 شهادة، وفي المقابل كون الطب العسكري لم يسلم سوى 59 شهادة طبية. وهذه الأرقام تطرح علينا بعض الأسئلة من قبيل: لماذا القطاع الطبي الخصوصي هو المصدر الأولى للشهادات الطبية؟ ولماذا يتوجه الراغبون في الحصول على شهادات طبية بالدرجة الأولى إلى الطب العام؟ وفي المقابل لماذا يبدو الطب العسكري أكثر تشددا في منح الشهادات الطبية؟ ثم ما معنى أن يمنح طبيب واحد 229 شهادة طبية لوحده ؟، وهذه الأسئلة تطرح أساسا على الجهات المعنية بعمل الأطباء، وعلى هيئاتهم التمثيلية... ليس الأمر هنا تحاملا على جهة ما، ولا اتهاما مطلقا لأحد، وإنما دعوة لتأمل الأرقام المعلن عنها، والحرص على قراءتها ضمن مقاربة شمولية عميقة بغاية تلمس أجوبة لمستوى أداء منظومتنا التربوية، وأيضا لمستوى التخليق داخل قطاع حيوي مثل القطاع الطبي. إن الأرقام المعلنة لا تختلف كثيرا عما تتناقله حكايات الناس في مجالسهم اليومية، خصوصا حول المدرسة العمومية، وهي اليوم تدعونا كلنا لمساءلات صريحة وجريئة وشجاعة، وأن نرصد الاختلالات بلا مجاملات أو مزايدات أو كثير كلام فج، وأن نسطر على العيوب، بما فيها عيوب الذات، حيث أن ضياع أزيد من خمسين ألف يوم عمل ليس بالأمر الهين في مجال حيوي مثل التعليم، بالإضافة طبعا إلى أيام العطل، والى أيام الإضرابات المتعددة، وهذا كله يتطلب تأملا شجاعا من لدن الجميع. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته