خلال مناقشة قانون المالية، بغرفتي البرلمان، وأثناء جلسة الحوار والتشاور مع رئيس الحكومة، أعاد حزب التقدم والاشتراكية التاكيد على ملحاحية مشاريع بعض أوراش الإصلاحات الإستراتيجية . ومن بين هذه المشاريع تلك المتعلقة بإصلاح أنظمة التقاعد وصناديقها. ومعروف أن الأنظمة الحالية، وكما تبين منذ سنوات، تعاني من صعوبات هيكلية، بل وإنها مهددة بالإفلاس والانهيار. وكان البرنامج الحكومي قد خص ملف التقاعد بعناية واضحة حيث أكد على إجراءات وأهداف مدققة ناصا على أنه «بخصوص أنظمة التقاعد ستسعى الحكومة إلى إصلاح مندمج لنظام التقاعد بما يحفظ توازنه المالي واستدامته وتوسيع قاعدة المستفيدين من أنظمة التقاعد لتشمل المهن الحرة والقطاع غير المنظم والصناعة التقليدية والفلاحة والصيد التقليدي الساحلي والتعاونيات، وذلك وفق منهجية تشاركية مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين. كما ستعمل على تحسين حكامة تدبير صناديق التقاعد بما يضمن نجاعة مردوديتها واستدامتها وجودة خدماتها «. من جهة أخرى، وقبل أسابيع، كان قد أعلن عن انتهاء اللجنة التقنية، المنبثقة عن مناظرة 2003 حول التقاعد، من عملها في تهيء التصور الذي سيعرض على اللجنة الوطنية التي يتمثل فيها مختلف الأطراف والشركاء، لكن الإفصاح عن أفق جمع هذه الأخيرة والشروع في حسم السيناريوهات الممكنة للاصلاح . وبينما الأمر على هذا الوضع تأتي الدراسة الجديدة التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط بالتعاون مع مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية . هذه الدراسة تكشف عن معطيات وترقبات أقل ما يقال عنها أنها تزكي الدعوة إلى دق ناقوس الخطر القائم أمام المستقبل المنظور لصناديق التقاعد وانظمته الحالية . فالدراسة الجديدة تفيد بأن الوضعية المالية لصناديق التقاعد ستتضرر أكثر في المستقبل من جراء التحول الديمغرافي والتغيير العميق الذي سيحدثه على مستوى الهرم العمري: عدد السكان الذين تبلغ اعمارهم 60 سنة فما فوق سينتقل من 7.2 مليون سنة 2010 الى عشرة فاصل 1 مليون سنة 2050 وتسجل الدراسة بان عدد المستفيدين من صناديق التقاعد عرف نموا سريعا مقارنة مع عدد المساهمين خلال السنتين الاخيرتين حيث ارتفع ب 6.6 بالمائة مابين سنة 2000 و 2009 . فيما أن الانخفاض الذي ستعرفه الموارد قياسا مع النفقات سيتولد عنه نضوب تدريجي للاحتياطات التي ستصبح سالبة ابتداء من سنة 2023 . وفي المجمل وباختصار فان الاستنتاج الأساسي من أية قراءة لهذه الوثيقة هو أنها دعوة مكررة إلى الاسراع باخراج الاصلاحات المطلوبة لمنظومة التقاعد الى حيز الملموس. فمنذ 2003 ، سنة المناظرة الوطنية حول إصلاح أنظمة التقاعد، والى جانب عمل اللجنة التقنية المنبثقة عن هذه المناظرة، جرت عدة لقاءات ومشاورات مع الأطراف المعنية ومع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، وأنجزت دراسات من قبل مؤسسة فرنسية، وتمت استشارة المكتب الدولي للشغل والبنك الدولي على سبيل الاستفادة من التراكمات والتجارب الاخرى . ومن جهتها اهتمت وزارة القطاع بالموضوع، وسبق لوزير التشغيل والتكوين المهني، عبد الواحد سهيل، أن صرح خلال الصيف الماضي، بأن وزارته تعتبر نظام التقاعد يكتسي راهنية وحساسية كبيرة ويعد أساسيا في إطار التضامن بين الأجيال. وينتظر من جميع الشركاء والفرقاء التعبير عن استعدادهم وتحمل مسؤوليتهم في تجاوز كل العقبات والوصول إلى إقرار سيناريو الاصلاح المتوافق عليه انطلاقا من احترام حقوق وكرامة المعنيين على قاعدة التضامن المتواصل بين الأجيال. وبالرهان على كل ذلك وعلى الاهتما م الحكومي بالموضوع تفاءل المتقاعدون بالالتفات الى واقع شريحتهم والى العديد من المشاكل التي تواجههم وتمس بحقوقهم وكرامتهم . وانسجاما مع ما عبرت عنه الحكومة التي تدخل سنتها الثانية، يكون المفترض والمنتظر هو ان تكون هذه الاخيرة حريصة على بلورة وتنزيل التزاماتها تجاه شريحة «العمر الذهبي» التي يتسع حجمها باستمرار وتستحق ان تكون في وضعيتها معيارا ونمودجا لسياسة اجتماعية تضامنية ومنصفة .