العنف اللفظي والجسدي الموضوعة المركزية في الشريط يعد الشريط السينمائي الطويل «زيرو» الذي أخرجه السينمائي المغربي نورالدين الخماري، والذي جرى تقديم عرضه ما قبل الأول بسينما ميكاراما بالدارالبيضاء ليلة أول أمس، بمثابة الجزء الثاني لشريط «كازانيكرا» ضمن ثلاثية حول مدينة الدارالبيضاء يستعد الخماري لإتمامها حسب ما أكده بنفسه. ولذلك حضرت في شريط «زيرو» البيئة نفسها التي ميزت الشريط السابق، بيئة الدارالبيضاء بأجوائها الليلية وصخبها وعنفها وقسوة فئة معينة من أناسها. زيرو، هذا الرقم العدمي الذي يحمل الشريط عنوانه، ليس سوى لقب البطل الذي يعمل في سلك الشرطة، ويتعرض لسوء تعامل من يفوقونه مرتبة من بين زملائه في العمل، وهم الذين أطلقوا عليه هذا اللقب التهكمي لتحقيره والتأكيد على غبائه. لكن في المقابل وبعيدا عن وسطه المهني، نجده يحمل اسمه الشخصي. يرصد الشريط جوانب من حياة «زيرو» في مقر عمله وداخل بيته وفي الشارع وفي الملهى الليلي وفي فضاءات أخرى، ويتجلى من خلال ذلك مدى ميل البطل إلى التعاطف مع المغلوبين على أمرهم، رغم ما يواجهه من متاعب جراء ذلك، انطلاقا من رعايته لوالده المقعد المدمن على تدخين الكيف، صاحب المزاج الصعب، مرورا بحرصه على مد يد المساعدة للمستضعفين، كما هو الحال بالنسبة للمرأة النازحة من الهامش إلى مدينة الدارالبيضاء بحثا عن ابنتها المختطفة من طرف شبكة مختصة في الدعارة على أعلى مستوى. إن انتقال البطل «زيرو» من فضاء إلى آخر داخل مدينة الدارالبيضاء، سعى المخرج من ورائه نقل أجواء هذه المدينة، أكثر من خدمة تطور إيقاع الحدث السينمائي، بالأخص الأجواء المقترنة بفترة الليل، المطبوعة بالعنف اللفظي والجسدي، الدعارة، النصب والاحتيال، التشرد، الفقر، الإدمان على المخدرات، الظلم، السادية، التمرد، الجنون.. ففي كل مشهد من مشاهد الشريط، يبرز مدى الأزمة التي تطبع العلاقات الإنسانية: الكوميسير يقسو على من يصغره مرتبة في سلك الشرطة، هذا الشرطي الصغير، يبتز فئة من المواطنين ذوي السلوك المنحرف على وجه الخصوص، الأب يقسو على ابنه الذي ليس سوى «زيرو» نفسه باعتباره وصيا عليه، الغني يغتصب الطفولة مستغلا الفقر، القوي يغلب الضعيف، ويريد المخرج أن يخلص من ذلك إلى أن مدينة الدارالبيضاء يحكمها قانون الغاب. كل هذه المظاهر تبعث على الاشمئزاز، ولعل من بين المشاهد التي تختزل هذا الشعور بشكل مكثف، هو حين يصعد البطل فوق إحدى طاولات الحانة، ويردد بصوت مخمور صارخ قائلا: «الله يلعن بو العالم» ويقاسمه جل الحاضرين هذا الإحساس، بمن فيهم أحد الشخوص الذي كان معروفا بانطوائه وسكونيته. بموازاة مع ذلك، تخللت شريط «زيرو» بعض المشاهد ذات المنحى الرمزي: مسح حيطان البيت بالمنشفة، بشكل يتكرر في ثلاثة مشاهد على الأقل، مع التذكير بأن أول ما استهل به الشريط هو هذا المشهد بالذات؛ فهناك رغبة من وراء ذلك لأجل المحو، محو الحاضر باعتباره غير مرغوب فيه، محو إرث ثقيل والتخلص منه. هناك كذلك حضور لفعل الوشم، وهو على النقيض من الأثر المرسوم على الحائط، يصعب التخلص منه بسهولة، باعتباره ذاكرة ورمزا لهوية، كما هو الحال بالنسبة لوشم الفراشة على ظهر الفتاة التي هربت من أسرتها ولجأت إلى مدينة الدارالبيضاء لامتهان التيه في أسوأ مظاهره، وليس مصادفة أن يتم اختيار الفراشة، على اعتبار أنها أقصر الكائنات عمرا، وهو المصير نفسه الذي سيعرفه جل الشخوص الرئيسية لهذا الشريط نتيجة الانتقام. كان الجانب التقني المرتبط بالصورة والصوت موفقا إلى حد بعيد، بمساهمة طاقم أجنبي، وهو ما أضفى قيمة إبداعية على هذا العمل السينمائي، كما أن أداء أغلب الممثلين كان مقنعا، وبالأخص يونس بواب الذي شخص دور زيرو، ومحمد مجد في دور والد زيرو، وأحمد دادس في دور الكومسير.. هذا التشخيص المتقن، لا بد أن يجعل المشاهد مع ذلك، يتأسف لكون الحدث السينمائي ليس في مثل قوة أداء الأدوار، على اعتبار أنه يتأسس على موضوع يتمحور بشكل أساسي ومركزي على العنف بصيغتيه اللفظي والجسدي. وفي تصريحه لبيان اليوم بخصوص هذه النقطة بالذات، دافع سعيد باي – الذي شخص دور واشم يقف في طريق زيرو للحيلولة دون بلوغه حقائق لها علاقة به- عن اختيار المخرج بالقول إن المشاهد المغربي سبق له أن شاهد أفلاما من هذا القبيل: كازانيغرا للمخرج نفسه، وحرش لاسماعيل العراقي، وهو بالذات ما نراه ونلمسه في الشارع، أما العنف اللفظي، فما هو إلا واقع مغربي معاش، بشكل يومي، ذلك الواقع المعبر عنه بصدق. في حين أن المخرج لطيف لحلو الذي تابع بدوره العرض ما قبل الأول لشريط زيرو؛ فكان له رأي مخالف حول الشريط في التصريح الذي أدلى به لبيان اليوم، حيث أكد على أنه لا يعكس الواقع، وهو باعتباره مخرجا لا يهتم بمثل المواضيع التي طرحها الشريط، مسلما بالقول إن كل واحد يعبر عن آرائه بالصيغة التي يحب ويعرف، وأن العنف اللفظي يدخل في إطار الشعبوية، ليس غير.