مؤخرا رفعت خادمات فلبينيات يعملن لدى أسر مغربية هنا في المغرب، صوتهن عاليا وباكيا في ندوة صحفية بالرباط، وذلك لفضح ما يتعرضن له من انتهاكات وسوء معاملة وتعذيب، وتحولت الندوة الصحفية المذكورة، التي كانت قد نظمتها مركزية نقابية مغربية، وحضرها القنصل الشرفي لدولة الفلبين بالمملكة، إلى مأثم وعزاء سالت خلاله دموع كثيرة من عيون الضحايا والحاضرين. لقد أصيب من حضر بصدمة قوية جراء ما قدمته فتيات فلبينيات من شهادات ووقائع، كان المغاربة فقط يسمعون عن حدوثها من طرف أسر ثرية في بلدان الخليج، لكنهم اليوم علموا أن أسرا مغربية هي الأخرى تجلب خادمات من الفلبين، وتقوم بحجز جوازات سفرهن، ويتحرش بهن الأبناء والأزواج، ويحرمن من الراحة، وحتى من الأكل أحيانا، ولا يتسلمن أجورهن كاملة وفي وقتها، بل إن بعض المعنيات روين كيف يتعرضن للضرب والتعذيب من لدن مشغليهن، وإحداهن كانت الآثار بادية عليها نتيجة ذلك، وأخرى هربت من مشغلتها/معذبتها... لقد سمعنا من قبل عن معاناة طفلات قاصرات زج بهن في عالم خدم البيوت، ونشرت وقائع وقصص مؤلمة عن ضحايا هذا الواقع من ضمن الفتيات والنساء المغربيات، واليوم تضاف أشكال المعاناة هذه إلى معاناة أخرى، حيث أنها تمارس على فتيات يبعد أهلهن عنهن بآلاف الكيلومترات، ويتم حرمانهن من جوازات سفرهن، ومن التواصل مع العالم الخارجي، ومن الحصول على أجورهن، ما يجعلنا أمام جرائم حقيقية تفرض على الجهات ذات الاختصاص أن تتدخل بسرعة وحزم للدفاع عن الضحايا، ولتطبيق القانون، وللدفاع عن صورة المغرب. من المؤكد أن هناك عائلات تشغل لديها خادمات، بما في ذلك الأجنبيات منهن، وتحرص على احترام حقوقهن وكرامتهن، ولكن هذا الاستثناء لا يجب أن يحجب عنا واقع مئات الخادمات الفلبينيات(وأيضا الإفريقيات من بلدان جنوب الصحراء) اللواتي يعانين من سلوكات لا يمكن وصفها إلا بالإجرامية. ولا يجب أن تقتصر المساءلة هنا فقط على الأسر المشغلة، وإنما الشهادات والوقائع اليوم تفيد أن الخادمات الفلبينيات هن ضحايا شبكات وعصابات تجلبهن، وتمارس في حقهن النصب والاحتيال، أي أننا أيضا أمام عصابات للاتجار في البشر، بالإضافة إلى جرائم الاستغلال الجنسي والمادي والتعذيب والضرب والاحتجاز والعنف وغيرها. إن التحولات التي تميز عالم اليوم والعلاقات بين بلدانه، والأزمات التي تعصف بالكثير من الدول، بالإضافة إلى التحولات القيمية والسوسيولوجية الملحوظة في مجتمعنا، استطاعت أن تفرز ظواهر لم نعهدها في السابق، وصارت شوارعنا ومدننا تحفل بمهاجرين من بلدان إفريقية، وآخرين أو أخريات من الفلبين وبلدان أسيوية أخرى، وهذا الواقع يفرض على بلادنا تمتين استعدادها للتعاطي معه وفق الالتزامات السياسية والحقوقية الدولية للمملكة. إن موضوع الخادمات الفلبينيات اليوم يفرض التحقيق الجدي والدقيق في كل ما يرد على القضاء، وعلى السلطات الأمنية والإدارية من شكاوى وتظلمات، والحرص على احترام كرامة وحقوق الضحايا، بالإضافة إلى ضرورة تعزيز ترسانتنا القانونية وملاءمتها مع النصوص الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان وبالعمالة الأجنبية وبحقوق المهاجرين.