تخفيض ثمن الأدوية إشارة قوية من الحكومة في تعزيز حقوق المواطنين المرحلة الثانية ستهم مراجعة لائحة بحوالي 1000 دواء بصفة تدريجية جدد مهنيو قطاع الأدوية انخراطهم في سياسة وزارة الصحة الرامية إلى تخفيض أثمان الأدوية وجعلها في متناول المواطنين المغاربة، معتبرين، في تصريحات أدلوا بها لبيان اليوم، أن المقاربة التشاركية التي تنهجها الوزارة من شأنها أن تضمن ولوجا أفضل للمواطنين إلى الدواء مع الحفاظ في نفس الوقت على التوازنات الضرورية للارتقاء بقطاع صناعة وتوزيع الأدوية في المغرب وحمايته من الاختلالات التي يواجهها. وكان وزير الصحة الحسين الوردي قد أعلن في لقاء صحفي بحضور المهنيين، أول أمس الأربعاء، عن شروع الوزارة، باتفاق مع المهنيين، في تطبيق تدابير فعلية لتخفيض ثمن الدواء وذلك بعد التوصل إلى اتفاق تم توقيعه مع الصناع في 11 يوليوز 2012 ومع الصيادلة في 22 أكتوبر 2012 من أجل مراجعة أثمنة الأدوية المرتفعة. وأشاد وزير الصحة، خلال لقاء الأربعاء، وضمن بلاغ صدر عقب ذلك، ب «روح المسؤولية والمواطنة» التي أبانت عنها كل من الفدرالية الوطنية لنقابات الصيادلة بالمغرب والمجلس الوطني لهيئة الصيدلة والمجلس الوطني للأطباء والجمعية المغربية لصناعة الأدوية والجمعية المغربية للأدوية الجنيسة ومغرب الابتكار والصحة والجمعية المغربية لموزعي الأدوية، و»الذين بذلوا مجهودات كبيرة خلال جميع الاجتماعات واللقاءات التي نظمتها الوزارة على مدى ثلاثة أشهر، ولدى تدارس جميع الإكراهات التي يعيشها قطاع الأدوية»، بحيث أفضت هذه النقاشات إلى قرار تاريخي بتخفيض أثمنة الأدوية التي لم تتم مراجعتها منذ تحديدها في سنة 1969. وتعد هذه الخطوة أيضا ترجمة للالتزام الحكومي بتنزيل مضامين الدستور وخاصة الفصل 31 منه الذي ينص على تيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والولوج إلى الدواء، وكذا تفعيلا لمضامين البرنامج الحكومي في مجال الأدوية. وبموجب هذا القرار، تم تخفيض ثمن حوالي 320 دواء بنسبة تتراوح بين 50 و80 %، كمرحلة أولى في انتظار تخفيض مزيد من الأدوية في مرحلة ثانية وبصفة تدريجية، بحيث من المنتظر أن يصل عدد الأدوية التي ستتم مراجعة أثمنتها في المرحة الثانية إلى 1000 دواء. ووصف علي السدراتي، الرئيس الشرفي للجمعية المغربية لصناع الأدوية، هذا الاتفاق بكونه ثمرة للسياسة التشاورية التي ينهجها وزير الصحة الذي وصفه بكونه «أول وزير يتعامل بسياسة واقعية ومسؤولة وشفافة، بعيدا عن الديماغوجية وفي إطار شمولي يأخذ بعين الاعتبار ضرورة اتخاذ تدابير قانونية ضمن مسطرة جديدة لتحديد ثمن الدواء وبمراعاة مصالح المستثمرين والمهنيين»، مشيرا، في تصريح لبيان اليوم، أن النقاش حول تخفيض الدواء كان قد بدأ منذ سنوات، و»لكننا للأسف، أضعنا الكثير من الوقت»، يقول السدراتي الذي عبر عن أمله في أن تفي الوزارة بتعهدها القاضي بإصدار مرسوم في الموضوع في غضون الشهور المقبلة. وأكد المتحدث أن من شأن مواصلة الحوار حول مختلف جوانب هذا الموضوع أن تمكن من التوفيق بين سياسات الدولة واجتهادات المهنيين والقطاع الخاص من أجل سياسة صحية ودوائية فعالة تمكن من رفع مستوى استفادة المواطن من الخدمات والمنتوجات الصحية ومن وفاء المهنيين كذلك بالتزاماتهم الاقتصادية. وذكر المتحدث بأن قطاع صناعة وتوزيع الأدوية يشغل حوالي 40 ألف شخصا إضافة إلى قرابة 40 ألف آخرين يشتغلون في الصيدليات التابعة لحوالي 12 ألف صيدليا. وأن 70% من الأدوية التي يستهلكها المغاربة يتم تصنيعها محليا، وبجودة معترف بها تحترم المعايير الدولية، علما أن استهلاك المغاربة للدواء يبقى في نفس الوقت جد ضعيف بحيث لا يتجاوز حوالي 400 درهما سنويا، مقارنة مع دول مجاورة لنا أو في نفس المستوى الاقتصادي حيث يستهلك المواطن الدواء بنسبة تفوق ذلك ب 2.5 مرات على الأقل. وخلص المتحدث إلى أن الدولة تظل مطالبة بوضع هدف الولوج إلى الدواء في إطاره العام الذي يتضمن ضمان الولوج إلى كافة الخدمات الصحية من خلال سياسة فعالة للتغطية الصحية والتأمين الإجباري عن المرض، تجعل من الصحة استثمارا بالنسبة للفرد والمجتمع عوض أن تشكل هاجسا لتكاليف مرهقة للمستهلك أو لنظام تغطية صحية يتسم بالتبذير بالنسبة للدولة. وهو ما من شأنه، يقول السدراتي، أن يكون عاملا إيجابيا أيضا بالنسبة للمستثمرين في قطاع الدواء من خلال الرفع من نسب الإنتاج والتوزيع. وفي نفس الاتجاه، أكد د. فريد فرحات نائب رئيس النقابة الوطنية للصيادلة، في حديث لبيان اليوم، أن النقابة التي تعد بدورها طرفا في هذا الاتفاق، كانت دوما مع «سياسة دوائية مواطنة»، وهي السياسة التي تندرج في إطارها هذه المبادرة لجعل الدواء في متناول المواطن الضعيف، مشيرا في نفس الوقت أن الأمر لا يجب أن يقف عند ثمن الدواء بحيث يتطلب اتخاذ تدابير قانونية فعالة لضمان إطار اشتغال ومهام بنيات صناعة وتوزيع الدواء، ومواجهة المسالك غير القانونية لترويج الأدوية، السليمة منها والمغشوشة، وإحداث مؤسسات مكلفة بتنفيذ تلك التدابير كما جرت به العادة في العديد من الدول. وعبر المتحدث بدوره عن أمله في أن تستمر المنهجية التشاركية في توضيح رؤية متكاملة للنهوض بالقطاع الصحي بمختلف جوانبه، وبمراعاة المطالب المهنية والنقابية للصيادلة، الذين يقول فرحات أن 35% منهم يوجدون على حافة الإفلاس، مع مراجعة وتحيين الترسانة القانونية للقطاع، وتصحيح ثغرات التأمين الإجباري عن المرض، وعلى رأسها مشكل نظام التعويضات ونسب مساهمات مختلف الفئات الاجتماعية. من جهته، عبر محمد بلماحي، رئيس العصبة الوطنية لحماية المستهلك، عن ارتياحه لهذه الخطوة التي من شأنها أن تخفف من حدة معاناة المستهلكين مع تكاليف التطبيب والعلاج، مؤكدا أن ذلك يتضمن إشارة قوية لانخراط الحكومة الحالية في تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين والمواطنات كما ينص على ذلك دستور البلاد. وأشار من جهة أخرى إلى أن ذلك يمكن أن يكون بداية أيضا للتجاوب مع المطالب المعبر عنها بضرورة تحمل الدولة بصفة كاملة لتكاليف الأمراض المزمنة على وجه الخصوص، والتي يدخل تحمل مصاريفها في سياق الحقوق الأساسية للمواطن، كما يقول بلماحي، الذي اعتبر أن انخراط المستثمرين في قطاع الأدوية في هذا المسار يعبر بدوره عن مدى وعيهم بضرورة مساهمة قطاع يحقق أرقام معاملات مهمة في الحد من معاناة المستهلكين جراء ارتفاع أثمنة الدواء وكذا مشاكل غياب العقلانية في ترويج وبيع الدواء، وهي المشاكل التي يكون المستهلك الضحية الأساسية لها.