تمكين المحكمة الدستورية من الآليات الضرورية سيمكنها من القيام بالمهام والاختصاصات التي منحها إياها الدستور الجديد خالد الناصري : الحالة المغربية تتطلب من الفقه الدستوري والقانوني الاجتهاد بكل تجرد وحرية وصولا إلى ترسانة قانونية جد مهمة أكد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليزمي على الدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه المحكمة الدستورية على مستوى الملاءمة الدستورية باعتبارها، ليس فقط مكونا أساسيا لدولة القانون، بل آلية في قلب أجهزة الدولة وضامن للحقوق الأساسية والحريات، معلنا أن ذلك يبرز الحاجة إلى أهمية تمكينها من التوفر على الآليات والميكانيزمات الضرورية للقيام بالمهام والاختصاصات التي منحها إياها الدستور الجديد. وأوضح اليزمي، في كلمة افتتح بها، صباح أمس الاثنين، أشغال الندوة الدولية التي ينظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط على مدى يومين، والتي تندرج في إطار تحضيره لمذكرتين تخصان القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية و القانون التنظيمي حول الدفع بعدم دستورية القوانين، أن ذات المنطق الذي يحمله المجلس بشأن المحكمة الدستورية يمتد إلى تصوره بشأن ولوج المواطنين إلى القضاء الدستوري، وذلك من خلال الدفع بعدم دستورية القوانين ، مبرزا أن هذا الولوج يجب أن يكون فعالا بحيث يمكن المواطن، بشكل لا لبس فيه، من أن يكون فاعلا مركزيا على مستوى هذا النموذج الجديد الخاص بإنتاج الملاءمة الدستورية، والتي تتميز بتعدد الفاعلين، مشيرا أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعتبر الدفع بعدم دستورية القوانين بأنها بمثابة إمكانية منحها المشرع الدستوري للمواطن ليشارك ويساهم بدوره في حماية الحقوق الأساسية المعترف بها دستوريا. تنظيم المجلس لهذه الندوة التي يشارك فيها مجموعة من الخبراء المغاربة والأجانب في مجال القضاء الدستوري، يروم في جانب أساسي منه استحضار التجارب الدولية المقارنة خاصة بكل من فرنسا، وألمانيا،بلجيكا وإسبانيا و إيطاليا والبرازيل، فضلا عن تجربة المجلس الدستوري المغربي، إذ أبرز اليزمي في هذا الصدد «على أن ذلك سيمكن المجلس من الاستفادة من تنوع الآفاق والمشارب المهنية والمرجعيات القانونية للمشاركين من أجل الاطلاع على التجارب الدولية المقارنة واستعراض عناصر المقاييس التي طورتها اللجنة الأوروبية للديمقراطية عبر القانون، من أجل تصور وصياغة مقترحات تقنية وعملية بشأن القوانين التنظيمية الخاصة بالمحكمة الدستورية والدفع بعدم دستورية القوانين». ولإبراز الأهمية البالغة لمقاربة موضوع المحكمة الدستورية والدعوة ضمنيا إلى تنزيل مقتضيات الدستور الجديد فيما يتعلق بها، أشار المجلس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في وثيقة وزعها خلال هذه الندوة، إلى الموقع الجديد الذي أفرده الدستور الجديد للمحكمة الدستورية والتنصيص عليها في الفصل 129 منه، واعتبارها كأحد آليات الضمانات القضائية ، بالنظر لموقعها واختصاصاتها الجديدة الموسعة، وقواعدها المسطرية الجديدة، بما قد ينعكس ذلك من إيجابية على الاجتهاد القضائي الدستوري وعلى حماية الحقوق الأساسية ، وخاصة إمكانية الدفع بعدم دستورية قانون عندما يثار أثناء النظر في قضية،وذلك إذا ما دفع أحد الأطراف بأن القانون يمس بالحقوق والحريات التي يضمنها الدستور. كما أشار المجلس إلى مختلف الإشكاليات المطروحة بِشأن إحداثها خاصة تلك التي ترتبط بالهيكلة التنظيمية للمحكمة، وسير عملها ومجال تطبيق القوانين ،والسيناريوهات المتعلقة بآثار إلغاء المقتضيات غير المطابقة للدستور وقواعد قبول الدفع بعدم الدستورية وأشكال وكيفيات الإحالة. وأكد خالد الناصري مدير المعهد العالي للإدارة، في تصريح لبيان اليوم» على التعقيدات التي تحيط بموضوع ترجمة الهندسة الدستورية الجديدة فيما يرتبط منها بالمحكمة الدستورية ، وموقع القضاء الدستوري سواء من حيث الهيكلة التنظيمية والميكانيزمات التي يجب أن تتوفر لهذه المحكمة حتى تضطلع بالمهام المنوطة بها. وأضاف المتحدث على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار في هذا الصدد التراكمات التي ترتبط بتاريخ هذه المؤسسة (التي كانت تسمى في السابق المجلس الدستوري) على عهد الوثيقة الدستورية لسنة1992، فضلا عن الأخذ حتما بالعناصر الجديدة التي حملها الدستور الجديد حول مسألة نظام الدفع بعدم الدستورية . وأقر الناصري بوجود مجموعة من الإشكاليات الجديدة والتي لا يمكن لأي كان أن يقدم أجوبة لها، فالموضوع في نظر المتحدث جد معقد ويتطلب وضع ترسانة قانونية جد مهمة،مثمنا تنظيم المجلس الوطني لهذه الندوة التي ستتيح الإمكانية للإطلاع على التجارب الدولية المقارنة في المجال. وفي سؤال حول أي من التجارب الدولية التي سيتم استعراضها خلال الندوة تعد الأقرب للمغرب أو الأكثر ملاءمة ، قال الناصري «إن التجارب متقاربة ومتباعدة في آن واحد ،فهناك التجربة الفرنسية والإسبانية ولنا مع هذه التجربتين مجموعة من التقاطعات ذات المرتكزات التاريخية المعروفة، لكن هناك أشياء جديدة يأتي بها التنظيم الدستوري المغربي الجديد لسنة 2011». واعتبر أن الحالة المغربية تتطلب من الفقه الدستوري والقانوني أن يجتهد بكل تجرد وحرية دون أن يظل مرتبطا بهذه المدرسة أو تلك لأن المسألة تتعلق بالاجتهاد في قضايا جديدة قد لا نجد مرادفا لها في التنظيم الدستوري للبلدان التي نتعامل بها»، يشير المتحدث. وحول إن كانت المؤسسة التشريعية الحالية بمكوناتها الجديدة مؤهلة و لها من الإمكانية لمواجهة تحدي تنزيل الدستور في الجانب المتعلق بالمحكمة الدستورية، أفاد الناصري، على أن المؤسسة التشريعية ستجد نوعا من الصعوبة في هذا المجال ، قائلا» كما تلاحظين فإن كثرة الحديث منذ سنة عن تنزيل الدستور وعن البطئ في تنزيل الدستور يعد مؤشرا على أن هناك مجموعة من القضايا والإشكالات والتعثرات ، ذلك لأن الأمر يرتبط بنفس دستوري جديد لم نتعود عليه ،» فما حصل في الاستفتاء الدستوري هو أن الشعب المغربي صوت على دستور يأتي بمقاربات مغايرة تماما للمقاربات التي تعودنا عليها في المغرب ، ولايمكن تنزيل دستور جديد بنفس جديد وميكانيزمات جديدة بهذه السهولة». واعتبر أن إطلاق النقاش حول المحكمة الدستورية من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والنقاشات التي قد تتم مستقبلا بخصوص ذات المجال، وما قد تثيره من قضايا مرتبطة بالعمل على إحداث هذه المؤسسة الجديدة المتمثلة في المحكمة الدستورية مؤشر على أن المجتمع المغربي بمكوناته قد انخرط في مقاربات جديدة».