تباين مواقف النواب رغم الإجماع على القطع مع رموز النظام السابق بعد نقاش حاد استمر يومين بين نواب المعارضة والأغلبية، صادق المجلس التأسيسي التونسي، مساء أول أمس الأربعاء، على قرار اتخذه الرئيس محمد المنصف المرزوقي، يقضي بإقالة محافظ البنك المركزي، مصطفى كمال النابلي، من مهامه. وأعلن رئيس المجلس مصطفى بن جعفر أن 110 من النواب صوتوا لصالح قرار الإقالة، فيما عارضه 62، بينما امتنع 10 نواب عن التصويت. ويأتي هذا القرار، بعد جدل عبر وسائل الإعلام بين مكونات السلطة التنفيذية، بشقيها الرئاسي والحكومي من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، حول أسباب ووجاهة قرار الإقالة، حيث دافعت المعارضة على استقلالية البنك المركزي، واعتبر نوابها في المجلس التأسيسي أن قرار الإقالة يعد قرارا «باطلا ولاغيا» سواء من حيث الشكل أو الإجراءات المتبعة. وردت الحكومة، من خلال الوزير المكلف بالملف الاقتصادي رضا السعيدي، على انتقادات المعارضة، موضحا أن قرار إعفاء المحافظ من مهامه يستند إلى عدد من المبررات من بينها فشله في تدبير السياسة النقدية ونهج الحكامة وإصلاح النظام البنكي وتدبير ملف استرجاع الأموال المهربة للخارج في عهد النظام السابق. واعتبر الوزير التونسي أن استقلالية البنك المركزي «لا تعني انعزاله عن محيطه السياسي»، مشيرا، في هذا السياق، إلى انخفاض سعر صرف الدينار التونسي، الذي من شأنه، كما قال، أن «يهدد السياسة النقدية للبلاد». من جانبه، قال مصطفى كمال النابلي، في تدخله أمام المجلس التأسيسي قبل التصويت، إن قرار إقالته يرجع إلى «أسباب سياسية»، معتبرا أن الهدف منها هو «السيطرة» على البنك المركزي، معتبرا أن هناك «نية مبيتة لضرب استقلالية البنك المركزي». وكان مصطفى كمال النابلي (64 سنة)، قد عين محافظا للبنك المركزي من قبل الحكومة الانتقالية السابقة بعد الإطاحة بنظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي في يناير 2011. وسبق له أن تولى في عهد النظام السابق مناصب وزارية منها وزير التخطيط والتنمية، قبل أن يتولى مهام مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك الدولي. وفي سياق متصل، أوردت وسائل الإعلام التونسية، نقلا عن مصادر متطابقة، أن المرشح لخلافة مصطفى النابلي، هو الوزير الأسبق والخبير الدولي في مجال المال والاقتصاد، الشاذلي العياري. ويشار إلى أن مواقف أعضاء المجلس الوطني التأسيسي تباينت ، في الجلسة العامة المنعقدة بعد ظهر أول أمس الأربعاء، بشأن قرار إعفاء محافظ البنك المركزي، مصطفى كمال النابلي من مهامه بين مؤيد للقرار ورافض له. فقد قالت النائبة سامية عبو عن كتلة «المؤتمر»، إن محافظ البنك المركزي الحالي «لم يكن محافظا على المصلحة الاقتصادية للبلاد» مطالبة بوجوب القطع مع رموز النظام السابق، باعتبار أن النابلي، «شغل منصب وزير في عهد الرئيس المخلوع». ولاحظت أن الثورة «تستوجب القطع مع الماضي» وإعطاء الفرصة للنخب والكفاءات التي لم تصلها ثمار الثورة»، على حد قولها. وأكد سمير بن عمر، (المؤتمر) أن المحافظ «لم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب»، ملاحظا أن تدخل النابلي اليوم أمام المجلس التأسيسي، كان فيه «نوع من العنف تجاه الحكومة» اذ اتهمها «بالجهل وعدم الاطلاع على خفايا الأمور». وبين أن المحافظ «لم يكن محايدا ومستقلا وخدم ضد مصلحة البلاد» كاشفا أن من أحد المطالب الأساسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية عند تشكيل الائتلاف الحكومي كان»القطع مع كل من خدم مع نظام العهد السابق». وأضاف بن عمر، أن النابلي «فشل فشلا ذريعا في السياسة النقدية المتبعة» بدليل تراجع قيمة الدينار التونسي من 06 جويلية2011 إلى نفس الفترة من السنة الحالية بنسبة 3ر17 بالمائة الى جانب تراجع المدخرات من العملة الصعبة خلال نفس الفترة من 120 يوما إلى 95 يوما. وقال إن المحافظ شجع على قروض الاستهلاك وهي السياسة التي اتبعها النظام السابق، والحال ان المطلوب هو العمل على تشجيع قروض الاستثمار. ولفت عمر الشتوي من جانبه إلى ما أسماه «التصريحات المتضاربة» للنابلي في ظل حكومة السبسي وفي ظل الحكومة الحالية، إذ أنه كان يثمن الوضع الاقتصادي للبلاد في حين تم تسجيل نسبة نمو سلبية في حدود 2ر2 بالمائة موفى 2011، وفي المقابل كانت تصريحاته عند تسلم الحكومة الحالية مقاليد السلطة «مربكة» في الوقت الذي كانت فيه نسبة النمو خلال الثلاثي الأول من 2012 إيجابية إذ وصلت على حد تعبيره إلى 2.6 بالمائة. وأكد المنصف الشارني عن كتلة «الحرية والديمقراطية» أن طلب الإقالة غير ضروري. وأبرز أهمية الحفاظ على استقلالية مؤسسة الإصدار قائلا إن هذه الاستقلالية «لا تعني التفرد بالقرار». ودعا مؤسسة الإصدار ورئاسة الحكومة، إلى تفعيل آلية التشاور من أجل انتهاج سياسة اقتصادية ونقدية أكثر نجاعة. وأشار بشأن ملف الأموال المنهوبة، إلى أن محافظ البنك أرجع البطء في استرجاعها إلى تباطؤ السلطة التونسية في إجراءات استرجاع هذه الأموال في البلدان التي تتواجد بها الأرصدة، والى سوء التصرف، بما قد يكون سببا في فقدانها مع انقضاء أجل تنفيذ حكم الاسترجاع. ووصف طارق بوعزيز قرار رئيس الجمهورية المؤقت بإقالة المحافظ ب»المتسرع» وبأنه اتخذه «دون دراية بالسياسات النقدية» مشيرا إلى «الغياب الكلي للحكومة في فتح ملفات المحاسبة». وأبرز خطورة المسألة المالية التي أصبحت محل تجاذب بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة مشيرا إلى أن هذه الأخيرة تسعى إلى ضخ الأموال في السوق من اجل إيجاد حلول ظرفية دون مراعاة نسب التضخم. كما اعتبر أن تغيير مدير المعهد الوطني للإحصاء يأتي في سياق نشر نسب تنمية «مجانبة للحقيقة»، مضيفا أن دفاعه ليس على الأشخاص بقدر ما هو دفاع عن الدولة ومؤسساتها. ودعا في هذا الصدد، إلى إرساء معايير علمية لتقييم أداء مثل هذه المؤسسات (البنك المركزي ومعهد الإحصاء) وإرساء قواعد الحكامة الرشيدة.