انقسام داخل دوائر صنع القرار بشأن رئيس الجزائر المقبل تعيش الجزائر حالة من الشلل جراء تأخر الإعلان عن حكومة جديدة عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ويربط متابعون هذا التأخر بمناقشات -قد تصل إلى انقسامات- داخل دوائر صنع القرار. ويبقى التماسك والهيمنة اللذان تدير بهما المؤسسة الحاكمة في الجزائر، على استقرار البلاد حتى في الوقت الذي تأثر فيه جيرانها بانتفاضات الربيع العربي خلال الثمانية عشر شهرا الماضية. وفي علامة بارزة للخلاف داخل النخبة الحاكمة، لم يعين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للوزراء، بالرغم من أن الدستور الجزائري ينص على وجوب استقالة رئيس الوزراء بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 10 مايو الماضي. ولم يعط مكتب الرئيس أي إشارة عن سبب التأجيل. ويمكن لعدد قليل من البعيدين عن دوائر صنع القرار الزعم بمعرفة ما يدور داخل نظام الحكم في الجزائر، وهو أحد أكثر أنظمة الحكم في العالم غموضا واستعصاء على الاختراق. غير أن أقرب تصور هو أن عشائر متنافسة وجماعات مصالح تناضل من أجل أن يتولى مرشحها السلطة من بوتفليقة (75 عاما) عندما تنتهي فترته الثالثة وربما الأخيرة بعد أقل من عامين من الآن. ويطرح هذا التصور مؤشرات على أن المؤسسة منقسمة بصورة عامة إلى معسكرين، الأول يريد البناء على إرث بوتفليقة والتواصل مع ذلك النوع من الإسلاميين المعتدلين الذين وصلوا إلى السلطة في أماكن أخرى من المنطقة بفضل الربيع العربي، أما المعسكر المنافس فيريد انفصالا واضحا عن بوتفليقة وهومعسكر شديد العلمانية ويشك في الإسلاميين. وينص الدستور الجزائري على أن السلطة يتقلدها الرئيس والبرلمان المنتخبان بطريقة ديمقراطية، غير أن دبلوماسيين ومحللين يقولون إن البلاد تحكمها بالفعل مجموعة يطلق عليها اسم "لوبوفوار" -وهي كلمة فرنسية تعني السلطة- تتألف من مجموعة من كبار المسؤولين الذين يلتقون خلف أبواب مغلقة. ويقول محللون إن بوتفليقة يتمتع بنفوذ كبير داخل مجموعة "السلطة" لكن يشاركه في هذا النفوذ مسؤولون غير منتخبين خاصة من الجهاز الأمني القوي، ويتداعى تماسك النظام في بعض الأوقات وهو شيء يحدث الآن فيما يبدو فيما يتعلق بخلافة بوتفليقة. وقال المحلل ومدرس العلوم السياسية بجامعة الجزائر محمد لأجاب إن "توافق الرأي لازم لتحقيق تغير سلس لكن عندما لا يكون هناك توافق فإن النظام يتوقف عن العمل مثلما هو الوضع الآن، كل شيء مجمد من قمة الدولة إلى قاعدتها". واختيار رئيس الوزراء مرتبط بالخلاف بين المعسكرين، لأنه إذا تقلد أي من المتنافسين على الرئاسة منصب رئيس الوزراء فسيكون من الواضح أنه -على الأقل الآن- الخليفة الذي يدعمه بوتفليقة. ويرى المحلل السياسي فريد فراحي أن قضية "من سيحل محل بوتفليقة هي القضية الرئيسية في الجزائر حاليا، وهذا يفسر سبب تأجيل تعيين حكومة جديدة"، واعتبر أن "كل قرار سيكون له تأثير على الانتخابات الرئاسية". والتحدي الحقيقي أمام الجزائر هو هل يمكن جماعة "السلطة" التي تتقلد السلطة منذ الاستقلال عن فرنسا قبل 50 عاما، الابتعاد عن تمزيق نفسها بِشأن خلافة بوتفليقة التي تحل بعد عامين. ووفقا لمحلل شؤون شمال أفريقيا في أوراسيا غروب، ريكاردو فابياني فإن "2014 نقطة ساخنة محتملة فيما يتعلق بالاستقرار السياسي في الجزائر"، ونبه إلى أنه يفكر أكثر في "شأن المساعي المحمومة والصراعات داخل النظام". وبحسب عارفين بما يدور داخل مجموعة "السلطة"، فإن قائمة الأشخاص الذين سيترشحون للرئاسة تضم عبد العزيز بلخادم وهو حليف لبوتفليقة ورئيس حزب جبهة التحرير الوطني الفائز بالانتخابات البرلمانية التي أجريت الشهر الماضي، ويعتقد البعض في النخبة العلمانية أن قربه من الإسلاميين يجعله محل شك ويفضلون انفصالا أوضح عن بوتفليقة. غير أنه رغم ذلك قد يظهر بوصفه مرشحا توافقيا لأنه يقف في منطقة وسطى بين المعسكرين الإسلامي والعلماني. ويبرز سعيد بوتفليقة، الأخ الأصغر للرئيس -إن نجح في الوصول إلى الرئاسة- استمرارا للحكم الحالي، غير أن الكثيرين في النخبة يعتقدون أن نظام الأسرة الحاكمة أمر مخطئ وأنه قد حان وقت التغيير على أي حال. ويطرح اسم عمار غول، وهو إسلامي معتدل مقرب من معسكر بوتفليقة كان حتى الشهر الماضي وزيرا للأشغال العامة، إشارة على أن الجزائر تتماشى مع التيار السائد في المنطقة بوصول الإسلاميين للسلطة، لكن اختيار رئيس إسلامي سيكون أمرا لا يمكن تحمله أو استيعابه بالنسبة لدوائر هامة من النخبة الحاكمة. وتشكل الحصيلة السلبية لرئيس الوزراء أحمد أويحيى خلال فترة رئاسته للحكومة، أحد أهم العقبات أمام طموحاته الرئاسية، وترى عناصر من مجموعة "السلطة" أنه قد حان وقت رحيله. ولا يستبعد لجوء صانعي القرار إلى شخصية من خارج دائرة الحكم لإبراز استعدادهم لتبني الإصلاح، وقد يقع الخيار على أحمد بن بيتور وهو من التكنوقراط، واستقال عام 2000 من رئاسة الوزراء بعد صدام مع بوتفليقة، أو مولود حمروش وهو أيضا رئيس وزراء سابق يقول أنصاره إنه أقيل عام 1991 لأنه أراد أن يباشر موجة من الإصلاحات في البلاد. وفي حين يتوقع أن تنشغل مجموعة "السلطة" لبعض الوقت بكيفية الانتقال للرئيس المقبل، يتعين على أصحاب القرار إنهاء انقسامهم بشأن خلافة بوتفليقة إن رغبوا في التصدي لسلسلة من التحديات تعترض طريق البلاد، فأسعار النفط تنخفض عن 100 دولار للبرميل وهو مثار قلق لبلد تمثل الطاقة 97% من صادراته ويحتاج إلى سعر مرتفع لتغطية سياساته القائمة على الإنفاق الحر.