أسدل الستار، مساء يوم السبت الماضي٬ على فعاليات مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة في دورته ال 18٬ بحفل بهيح لأحد أبرز وجوه حركة «بيس آند لوف» في ستينيات القرن الماضي٬ الفنانة الأمريكية جون بايز. وشكل الحفل مناسبة للبعض لمعانقة الحنين واسترجاع ذكريات سنوات جميلة٬ وفرصة أيضا للأجيال الصاعدة لاستكشاف واحدة من أساطير الأغنية العالمية. وتحاول بايز، من خلال أعمالها، نشر رسالة الحب والسلام والتسامح أينما حلت، حاملة معها هموم المستضعفين والمقهورين في معركة تخوضها منذ ستينيات القرن الماضي، عندما شاركت في مسيرة واشنطن من أجل العمل والحرية في 28 غشت 1963٬ والتي ألقى خلالها مارتن لوثر كينغ خطابه الشهير «لدي حلم»٬ وشكلت تلك مناسبة بالنسبة لبايز لأداء أغنية «وي شول أوفركام». وبحفاوة كبيرة، رد الجمهور على تحية بايز التي ألقتها بعربية فصيحة «السلام عليكم»٬ بوابل من التصفيقات وبالوقوف احتراما لهذه الفنانة التي ما فتئت تؤكد رفضها للعنف والحرب٬ ولا تتردد في تقديم دعمها للقضايا الإنسانية العادلة٬ كما فعلت عندما سارعت لدعم محتجي حركة «احتلوا ووول ستريت» بنيويورك. وأتحفت بايز الجمهور بالعديد من الأغاني التي أعادت عقارب الزمن إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي٬ بالخصوص عندما أدت أغنية «كود إيز كود» و»كراسياس أ لا فيدا» وأغنية بوب ديلان «كود أون أور سايد»٬ وعددا من كلاسيكيات القرن الماضي كأغنية «هيرز تو يو» و»دايامند أند راست» و»بلوينغ إن ذو ويند». وفاجأت الفنانة الأمريكية الجميع بأداء عربي لأغنية «جاري يا حمودة» لأحمد حمزة، قبل أن تنهي السهرة بأغنية «إيماجين» التاريخية٬ وبين الأغنيتين لم تنس بايز تكريم بوب ديلان، أحد أساطير الغناء الشعبي الأمريكي، حيث أدت اثنين من أغانيه الشهيرة «كود أون أور سايد» و»فارويل أنجيلا». ولم تكل المغنية الأمريكية بايز، طوال مسيرتها الفنية، من النضال من أجل حقوق الإنسان٬ ففي 1972 شدت الرحال إلى فيتنام التي كانت تتعرض للقصف على يد القوات الأمريكية آنذاك، وتعد بايز أحد أشرس المناهضين لعقوبة الإعدام. وأطلقت بايز، في 2008، «داي أفتر تومورو»٬ وهو الألبوم ال 24 الذي توج مسيرة غنائية حافلة بالعطاء. قبل ذلك كان جمهور المهرجان على موعد مساء الجمعة الماضي بفضاء باب الماكينة، مع حفل باهر تداخلت فيه الموسيقى بالرقص بعروض تكنولوجية وتحت شلال من الأضواء والألوان٬ قدمت المغنية الأيسلندية بيورك٬ ٬ عرضها الفني الجديد «بيوفيليا» . ظن الجمهور لوهلة أنه اقتحم من غير استئذان «عالم أليس» العجائبي٬ عندما اعتلت الخشبة مغنية أشبه بأبطال أفلام الخيال العلمي بلباس أزرق غريب وشعر منفوش مصطبغ بلون أحمر فاقع٬ تحفها فرقة تؤدي عرضا أشبه بالرقص٬ في ركن قصي من الخشبة لا يصله الضوء إلا لماما. أداء متناسق أحيانا بحركات أشبه ب»الروبوتات»٬ غير متجانس في الغالب وغير مفهوم إلا بالنسبة لعشاق هذا النوع الفريد من الفن المعاصر٬ والذي حج بكثرة إلى باب المكينة للاستمتاع بهذا العرض. طيلة أطوار السهرة٬ شكل الأداء على الخشبة جزءا من العرض فقط. ثلاث شاشات عملاقة نصبت فوق المنصة وحواليها٬ نقلت مشاهد متواصلة لنباتات ومكعبات ومخلوقات غريبة وأشياء بدون مسميات. ومباشرة فوق الخشبة٬ جهازان معلقات تنبعث من خلالهما٬ من حين لآخر٬ شرارات برق مخيفة٬ على إيقاع ضربات موسيقية قوية. أدت بيروك مقاطع من ألبومها «بيوفيليا»٬ الحائز على جائزة «ويبي» التي تمنحها الاكاديمية الدولية للعلوم والفنون الرقمية٬ تحت ضوء خافت نسبيا وموسيقى هادئة بصوت طفولي سعيد٬ قبل أن ينقلب المشهد دون سابق إنذار ويتحول إلى صخب هادر على وقع أداء قوي أشبه بصراخ للمغنية «بيورك»٬ وانفجار للأضواء والألوان في كل الاتجاهات٬ ثم يعود الأداء الهادئ ليتسيد الأجواء من جديد. الطابع الغرائبي للحفل من المفروض أن يبدده الكتيب الذي يقدم لسهرة الفنانة لأيسلندية٬ وأن يساعد على فهم مجريات الحفل٬ إلا أن الاستعانة به قد لا تساعد كثيرا في الفهم٬ ف»البيوفيليا تهدف إلى استكشاف وظيفة الصوت والامتداد النهائي للكون والأنظمة الكوكبية ذات البنيات النووية. غير أنها مجرد وسيلة تدخلنا بيورك من خلالها إلى عالم خرافي جديد» انتهى. لكن ورغم الاستعصاء على الفهم فإن أعمال بيورك في عمقها تروم التحسيس بأهمية الطبيعة والبيئة والكون بشكل عام٬ وسبق أن أقامت رفقة فريق «سيجور» حفلا موسيقيا بهدف توعية الناس بالأضرار التي سيتسبب فيها مشروعان للطاقة الهيدروليكية٬ يهدفان إلى تزويد مصانع الألومونيوم بالطاقة٬ على المضايق المائية في أيسلندا. وإذا كان جانب من الجمهور قد بدا خارج سياق الحفل٬ الذي أثثه عرض غير اعتيادي مقارنة بالعروض السابقة التي احتضنها فضاء باب المكينة٬ وهو ما عكسه مغادرة عدد من المتفرجين لكراسيهم بمرور الوقت وتوجههم لفضاءات الترفيه القريبة من مكان الحفل فإن جمهورا غفيرا٬ من الشباب على وجه الخصوص٬ ظل صامدا طيلة السهرة متابعا بشغف مهرجان الموسيقى والأضواء والعروض ومنتشيا بتفاصيل عالم «بيروك» الغرائبي. بيورك٬ للتذكير٬ مغنية آيسلندية٬ وكاتبة أغاني٬ وملحنة٬ وممثلة٬ ومنتجة موسيقية. تضم أعمالها سبعة ألبومات غنائية وموسيقى تصويرية لأفلام. وفي دورتها السادسة عشرة٬ كرمت جوائز «ويبي» التي تمنحها الاكاديمية الدولية للعلوم والفنون الرقمية المغنية الايسلندية بيورك على ألبومها «بيوفيليا». وقد تابعت العديد من وسائل الاعلام هذه الدورة، وأكدت الصحيفة البريطانية (هافينغتون بوست)٬ أن مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة يمثل احتفالا بالسلام والانفتاح في عالم تطبعه الصراعات . وحسب الجريدة٬ فإن منظمي المهرجان يحدوهم طموح أعمق من أجل اضفاء نوع من الروحانية على النقاشات ٬التي غالبا ما تكون عقيمة ٬حول عدد من القضايا الدولية . وتابعت الصحيفة اللندنية أنه بدلا من صراع الحضارات٬ يسعى المغرب٬ من خلال هذا المهرجان٬ إلى تعزيز «الوئام وموسيقى الحضارات». كما تطرقت اليومية٬ من جهة أخرى٬ إلى التقاليد المغربية للسماع (أغاني صوفية)٬ والتي تمثل٬ كما أوضح مدير المهرجان السيد فوزي الصقلي «واحدة من أرقى أشكال التعبير «. وقالت الصحيفة إن الأمر يتعلق بممارسة شعبية في المغرب بصفة خاصة والمغرب العربي بصفة عامة ٬ تعد ثمرة تلاقح بين الشعر العربي والموسيقى الأندلسية٬ مشيرة إلى أن فن السماع يمرر من خلال الأغنية شعورا مثاليا مفعما بطاقة كبيرة.