نقلت أمس الزميلة «الصحراء المغربية « قصة التلميذة عائشة من ثانوية الليمون في الرباط، التي تحدت مرضها الخبيث وحالات الاختناق التي تنتابها، وأصرت على أن تجتاز الدورة الاستدراكية لامتحانات الباكالوريا، بعد أن فاتتها فرصة اجتياز الدورة الأولى بسبب تدهور حالتها الصحية. عائشة التي تبلغ من العمر 18 سنة، وتتابع دراستها في تخصص العلوم الاقتصادية، معروفة وسط زملائها ولدى مدرسيها بجديتها ومثابرتها، حيث حصلت العام الماضي مثلا على معدل يزيد عن 14 في السنة الأولى من الباكالوريا، وبالرغم من معاناتها اليومية مع المرض طيلة السنوات الثلاث الأخيرة، فهي دائما مبتسمة، وتطمح للحصول على شهادة الباكالوريا بميزة حسن جدا، وولوج الجامعة ونيل أعلى الشهادات. أكاديمية التربية والتكوين في الرباط تفاعلت إيجابا مع طموح عائشة، واعتمدت المرونة اللازمة لتكييف الامتحانات مع الوضع الصحي لها، وجرى امتحانها بداخل المصحة حيث تتابع العلاج، وهي الآن مع أسرتها تنتظر النتيجة. الحكاية تجسد درسا بليغا لكل الشباب، بل وأيضا للكبار، وعلينا كلنا أن نتعلم من الصغيرة عائشة. قوة الإرادة التي أبرزتها عائشة، ليست كلمات أو خطب أو شعارات أو نوايا، إنما هي رغبة في شيء تعلقت به، وقررت اختيارها بكل وضوح، ثم أصرت على تنفيذ الاختيار حتى النهاية. الإرادة لدى عائشة الصغيرة لم تبق مجرد رغبة طفولية، إنما تحولت إلى إصرار، ومن ثم إلى التطبيق على أرض الواقع، أي الاستمرار ومواصلة التحدي، ومواجهة كل الصعوبات وتذليلها والمضي في كل هذه المعركة حتى النهاية. اليوم، على الشباب التأمل في هذه الشجاعة التي أبانت عليها عائشة، والاقتناع بأن تحقيق الأهداف والنجاحات في الحياة يتطلب أيضا قوة الإرادة، والتسلح بالصبر والثقة في النفس والعمل الحقيقي، وتجاوز كل العثرات، من أجل الوصول في النهاية إلى النجاح المأمول. الانتظار، والاتكال على الغير، واليأس والإحباط، كل هذا لم يحقق يوما نجاحا، وما كان ليجعل عائشة تقاوم مرضها اللعين. شجاعة عائشة هي التي مكنتها من مواجهة ما ابتليت به، وتحدي محنتها، وضبط النفس، وبالتالي الانتصار على الخوف، والإقدام على المواجهة. النجاحات لا تتحقق بالخلود إلى النوم، وبانتظار نزولها هبة من السماء، بل إنها تتحقق بعد بذل جهود في العمل وفي تجاوز كل فشل وتحدي كل المصاعب، وبالصبر والمقاومة والتسلح بالتكوين والاجتهاد، وبالإيمان بقيمة العمل. إنه درس أساسي تقدمه لنا اليوم عائشة. وبالمناسبة، فإن 59 شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة اجتازوا امتحانات الباكالوريا في أكاديمية الرباط، على غرار عائشة، وعشرات من أمثالهم في مختلف جهات المملكة، ومن وضعيات صحية مختلفة، وهم جميعهم يستحقون التحية على شجاعتهم، وعلى كل الدروس التي يلقنونها لباقي أفراد المجتمع. شكرا لك عائشة على الدرس.. لك الشفاء والنجاح و... التحايا.