منتدى وطني بالدار البيضاء من أجل تحسيس الفاعلين الاقتصاديين بأهمية وضع برامج لتدبير المخاطر المغرب يسجل سنويا حوالي 200 ألف حادثة شغل تتفاوت حدة آثارها المدمرة على المقاولات ومحيطها يصادف يوم غد الأحد، 28 أبريل، إحياء اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل، والذي أقرته منظمة العمل الدولية منذ سنة 2003، كمناسبة سنوية لتكثيف الحملات الدولية للوقاية من الحوادث والأمراض المهنية على الصعيد العالمي، حملات يراد منها تركيز الاهتمام الدولي على حجم المشاكل المرتبطة بالموضوع وعلى كيفية تعزيز وخلق ثقافة الصحة والسلامة التي يمكن أن تساعد على التقليل من عدد الوفيات والإصابات المرتبطة بمكان العمل، وذلك في إطار تنسيق الجهود بين القوى الثلاث للعمل، من حكومات ومنظمات ممثلة للعمال وهيئات ممثلة لأرباب المقاولات، علما أن يوم 28 أبريل هو اليوم الذي اختارته كذلك الحركة النقابية عبر العالم لإحياء ذكرى ضحايا الحوادث والأمراض المهنية. في هذا الإطار العام يأتي انعقاد المنتدى الذي نظمته، أول أمس الخميس بالدار البيضاء، وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة بالتعاون مع التجمع المهني للحماية والسلامة والهيئة الوطنية لأطباء الشغل ببلادنا، والذي خصصته لتخليد هذا اليوم تحت شعار: «الحماية من المخاطر الصناعية والتحكم في سلامة الإنتاج: أية مقاربة وأية إكراهات؟». المنتدى الذي أضحى تقليدا سنويا، وعرف، أول أمس حضور أزيد من 120 من أرباب المقاولات والفاعلين الاقتصاديين إضافة إلى ممثلي القطاعات الحكومية ذات الصلة، يرمي إلى تحسيس الفاعلين الصناعيين في مختلف القطاعات، وتطوير الوعي لديهم بأهمية تدبير المخاطر، سواء عن طريق تعزيز إجراءات الوقاية والحماية القبلية، أو عن طريق إرساء مخططات العمل الضرورية لمواجهة الكوارث الصناعية في حال حدوثها، والحد من آثارها المدمرة على المقاولات ومواردها ومحيطها. ففي سياق عالمي متحول ومتطور باستمرار، وبتطور الحاجات والإمكانيات البشرية والتقنية لتلبية تلك الحاجات، واحتدام التنافسية بين منتجي الخدمات المتنوعة، تبرز تحديات مرتبطة بهذه الصيرورة وبمسارات الإنتاج سواء فيما يتعلق بجودة المنتوجات، أوبسلامة المحيط وكذا سلامة وصحة العنصر البشري، كمنتج للخدمات أو مستهلك لها. وبعبارة أخرى، فإن تطور عملية الإنتاج وتجدد المنتوجات، يستدعي بالضرورة تعقيدات جديدة ومحاذير جديدة ويقتضي بالتالي تطوير الإمكانات وتعزيز الكفاءات لمواجهة تلك المخاطر والمحاذير. وفي الوقت الذي تعتبر فيه الحكومات مسؤولة عن توفير القوانين واتخاذ التدابير الضرورية لاستمرارية العملية الإنتاجية، فإنها تعد مشرفة أيضا على عملية إنفاذ تشريعات السلامة والمهنية والصحة والسياسات العامة المتصلة بها. لكنها ستكون عاجزة عن العمل لوحدها على القيام بذلك في حال عدم انخراط القوى الأخرى، أي أرباب المقاولات ومختلف فئات المهنيين، في هذا المجهود، سواء بصفة إرادية أو بسبب غياب الوعي بأهمية برامج وإجراءات تدبير المخاطر. وببلادنا، تسجل سنويا حوالي 200 ألف حادثة شغل، تتفاوت حسب خطورتها وانعكاساتها وحجم الخسائر البشرية والمادية التي تخلفها. وقد برزت في السنوات الأخيرة، أهمية التفكير بجدية في هذا الموضوع، خاصة في ظل حدوث عدد من الكوارث الصناعية التي راح ضحيتها أشخاص عديدون وسببت خسائر مادية فادحة، مثل كارثتي «روزامور» بالدار البيضاء و»لاسامير» بالمحمدية، إضافة إلى بروز مخاطر جديدة من قبيل التلوث البيئي أو الكيماوي اللذين تكون لهما أثار وخيمة على المقاولة نفسها وعلى محيطها، كما تترتب عنها مسؤولية جنائية ومتابعات قضائية. هذه التحديات فرضت على الحكومة والفاعلين الاقتصاديين ضرورة التفكير معا في تطوير ثقافة تدبير المخاطر، سواء من خلال تطبيق وتعزيز التشريعات المتوفرة حول الموضوع، أو من خلال تأهيل إمكانيات المقاولات في هذا المجال. ولئن كانت النصوص التشريعية المتوفرة في هذا السياق، ما تزال، باعتراف المسؤولين والفاعلين، تعاني من نوع من التشتت والنقصان، فإنها مع ذلك توفر إطارا ملائما للشروع في العمل من أجل تعزيز سياسات تدبير المخاطر، سواء من خلال احترام المعايير التعارف عليها للجودة، أو من خلال تطبيق معايير السلامة والحماية في الأنشطة الصناعية وفي أمكنة العمل بصفة عامة. وحسب ما جاء في مداخلة لعمر بنعائشة، مدير مكتب التصديق الدولي «فيريتاس» بالمغرب، خلال المنتدى، فإن التشريعات المغربية في مجال جودة والسلامة والحماية من المخاطر، وعلى الرغم من أنها تحتاج إلى مزيد من التحيين والتطوير، تعد من «أفضل الأنظمة المتوفرة في المجال على مستوى دول الجنوب وإفريقيا»، إلا أن الالتزام بشكل أفضل بهذه المعايير يقتضي أيضا، كما يقول المتدخل، عددا من الإجراءات من قبيل «التنسيق بين كافة المتدخلين، وتعزيز الكفاءات الوطنية المتوفرة في هذا المجال والتي تتسم بندرتها، وتكوين وتأهيل كافة المتدخلين والفاعلين، وتطوير مخططات للحماية والوقاية، ووضع آليات للتواصل والتعريف لدى عموم الساكنة بالمخاطر الصناعية وكيفية مواجهتها». وفي تصريح لبيان البيان اليوم، على هامش أشغال المنتدى، أكد عبد الله النجار، مدير الجودة ومراقبة السوق بوزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، على أهمية انخراط أرباب المقاولات في هذه الدينامية من خلال «المبادرة إلى تعزيز قدراتها في مجال تدبير المخاطر»، سواء عن طريق الالتزام الفعلي والجاد بتطبيق معايير الجودة والسلامة في عملية الإنتاج وفي أماكن العمل، أو عبر تأهيل الموارد البشرية للمقاولات بواسطة التكوين المستمر. واعتبر المسؤول بأن القطاع الوصي لا يمكن أن يعتمد في هذا الصدد على مقاربة المراقبة والتفتيش وإلزامية تطبيق القانون، بقدر ما يعول على أهمية وعي المقاولات نفسها بالانعكاسات السلبية، والقاتلة أحيانا، لعدم تطبيق معايير الجودة والسلامة وعدم وضع مخططات لتدبير المخاطر والكوارث الصناعية. مشيرا أن المنتدى الذي يندرج في هذه المقاربة، يعتبر واحدا فقط من الآليات والبرامج التي تعتمدها الوزارة، على مدار السنة، من أجل العمل على تحسيس ومرافقة المهنيين والفاعلين الاقتصاديين في هذا المجال. يذكر أن المنتدى الوطني للسلامة والصحة في الشغل، شكل فرصة أيضا للتداول حول الإطار التنظيمي والنصوص القانونية المرتبط بالموضوع، وعلى رأسها القانون 24-09 المتعلق بسلامة المنتجات والخدمات. كما شكل مناسبة لإطلاق الدورة التاسعة للجائزة الوطنية للسلامة التي تعد وسيلة أخرى لتحفيز المقاولات على تطبيق واحترام معايير الجودة والسلامة في أماكن العمل.