بحضور عدد هام من أعضاء الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، وعلى رأسهم الأمين العام مولاي اسماعيل العلوي، نظم قطاع الصحة التابع للحزب، مساء أول أمس الخميس، "منتدى الصحة" وهو اللقاء الذي يندرج في إطار سلسلة المنتديات التي تعقدها القطاعات السوسيو-المهنية التابعة للحزب، استعدادا لعقد مؤتمره الوطني الثامن في أواخر شهر ماي المقبل. ------------------------------------------------------------------------ وفي كلمته الافتتاحية لهذا المنتدى، أكد البروفيسور الحسين الوردي، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية والمنسق السابق لقطاع الصحة، على أهمية هذا اللقاء، خاصة أنه شكل إطارا اجتمع فيه خيرة أطر ومناضلي الحزب مع عدد كبير من مهنيي الصحة من أطباء وممرضين وتقنيين في القطاعين العام والخاص، وذلك من أجل تدارس الوضع الصحي ببلادنا. اسماعيل العلوي، الأمين العام للحزب، شدد بدوره، في كلمة بالمناسبة، على أن المنتدى يجسد بجلاء اهتمام الحزب بقضية الصحة، كأولوية ضمن القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي توجد على رأس انشغالات الحزب والتي جعلته يحتل مكانته الأساسية في الحياة السياسية الوطنية وأكسبته حضورا وإشعاعا لدى المواطنين. وعبر عن اعتزازه بالدور الذي يلعبه قطاع الصحة التابع للحزب في تفعيل شعارات ومباديء هذا الأخير من أجل التخفيف من معاناة المواطنين في المجال الصحي، وخاصة، يقول العلوي، على مستوى استمرار ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والمواليد الجدد وتسجيلها لمعدلات مخيفة، مما يجعل بلادنا تعاني تأخرا كبيرا في ما يتعلق بمؤشرات التنمية المندمجة. إثر ذلك أعطت ثريا الصقلي، مسيرة اللقاء، الكلمة للدكتور الشنفوري، الذي اختاره القطاع منسقا وطنيا جديدا خلفا للبروفيسور الوردي، ليقدم عرضا حول استراتيجية حزب التقدم والاشتراكية للنهوض بقطاع الصحة ببلادنا، وهو العرض الذي استهله الشنفوري بعملية تشخيص دقيق لوضعية القطاع، مشيرا أن التغيرات الديمغرافية والاجتماعية التي تعرفها بنية الساكنة المغربية، من خلال انخفاض نسبة الشباب وارتفاع نسبة المسنين، وارتفاع نسبة التمدن واستمرار ارتفاع مؤشرات الفقر والأمية، وانتشار العادات الصحية والغذائية السيئة، وارتفاع نسب التلوث، كلها عوامل تزيد من حدة التحديات والإكراهات التي يواجهها، وسيواجهها، الوضع الصحي ببلادنا، وذلك في مقابل واقع بنيات وخدمات صحية مثيرة للجدل بدورها، وتغطية صحية ضعيفة وغير متكافئة. مما يستدعي، يقول د. الشنفوري، ضرورة توفر رؤية واضحة ومنسجمة لسياسة متكاملة في قطاع الصحة، من خلال استراتيجية حكومية جديدة تمنح الأولوية المستحقة للصحة كهدف استراتيجي وأساسي ضمن الأهداف التنموية الخمسة للألفية. وبالأرقام، أوضح د. الشنفوري أن 31% من ساكنة العالم القروي ما تزال تجد نفسها بعيدة بأكثر من 10 كلم عن أقرب مركز صحي، وذلك في ظل تقادم وضعف التجهيز ومحدودية الاستعمال للبنية التحتية الصحية المتوفرة، وكذا العجز في الموارد البشرية (5.4 طبيب لكل 10 ألاف نسمة بعيدا جدا عن المعدل العالمي 15 إلى 20 طبيب)، ويضيف د. الشنفوري أن عدم تكافؤ الفرص في الاستفادة من الخدمات الموجودة يتجلى في كون 20% من الساكنة الغنية تستهلك 56% من الخدمات مقابل 20 من الساكنة الفقيرة التي لا تستفيد سوى من 3% من الخدمات. علما أن 40% من المصاريف الطبية تذهب لاستهلاك الأدوية و85% من هذه المصارف تقع على كاهل الأسر، وحيث لا تغطي مختلف الصناديق الصحية المتوفرة حاليا سوى 34% من الساكنة. كل ذلك، يضيف المتدخل، في ظل تمويل عمومي ضعيف إذ لا تتجاوز ميزانية قطاع الصحة 5.5 % من الميزانية العامة. وهو ما يضعف دور الدولة في تجاوز مختلف الإشكالات التي يواجهها القطاع. وأكد الشنفوري أنه لتحقيق النقلة النوعية المطلوبة، ومن خلال رؤية حزب التقدم والاشتراكية في هذا المجال، يجب أن تتأسس استراتيجية الدولة في القطاع، بالإضافة إلى الرفع من الميزانية، على عدد من الإصلاحات المؤسساتية والقانونية المرتكزة بدورها على مباديء التكامل بين القطاعات الحكومية ومختلف المتدخلين، والإنصاف بين المستفيدين في مختلف الفئات والمناطق، والمشاركة والمسؤولية من قبل المواطنين والفاعلين، ومبدأ التضامن لضمان تمويل وتغطية صحيين يمكنان من تحسين الخدمات والرفع من مستوى الولوج إليها لفائدة جميع المواطنين. محمد سعيد السعدي، وبعد استعراضه لأوجه الأزمة الاقتصادية العالمية وأثرها على القطاعات الاجتماعية وعلى رأسها قطاع الصحة، في مختلف البلدان عموما وفي المغرب تحديدا، أكد أن الأزمة زادت من نسب الفقر والعطالة وارتفاع الأسعار، وأدت إلى تراجع نسب النمو في القطاعات الإنتاجية، (باستثناء القطاع الفلاحي الذي شهد موسما استثنائيا السنة الماضية مكن المغرب من عدم التأثر بحدة بالأزمة)، مما سبب بالتالي تراجعا في القدرة الشرائية للمواطنين وأيضا في نفقات التغذية ونفقات العلاج والتطبيب. واعتبر السعدي أن مشاكل الصحة لا تتعلق بقطاع بعينه بقدر ما يجب أن تستفيد من إعادة نظر شاملة في السياسات الاجتماعية من خلال مقاربة مندمجة ومنسجمة، ترتكز على دور أكثر قوة وديمقراطية للدولة، وتجعل العنصر البشري في أولوية اهتماماتها، وتنظر إلى الحق في الصحة "كحق أساسي من حقوق الإنسان، غير قابل للمساومة ولا لجعله سلعة خاضعة لمنطق العرض والطلب مثل السيارات والعطور".