اعتبر مولاي إسماعيل العلوي، رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، أن جوهر المشكل الذي أدى إلى التوقيع على اتفاقية الحماية عشية تغلغل الاستعمار وتقوية الامبريالية على مستوى العالم، يتجلى في نوعية المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي كان المغرب يسير على نهجها في تلك الحقبة. واستدل العلوي على قوله بما استنتجه حزب التقدم والاشتراكية الذي يرتد في أفكاره وفلسفته إلى مدرسة ماركس الذي كان يذهب إلى عمق الأشياء في التحليل ولا يكتفي بالمظاهر السطحية. وأضاف العلوي خلال هذا اللقاء المنظم من طرف «فضاء الأطر» لحزب التقدم والاشتراكية بجهة الدارالبيضاء الكبرى، حول موضوع «ماهي الدروس التي يمكن استخلاصها من الذكرى المائوية للحماية»؟ أن أسباب تقهقر المغرب يعود إلى تقهقر المنظومة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي كانت مبنية على نمط إنتاج مركب، فهو لم يكن بنمط إنتاج أسيوي رغم أنه كان يحمل بعض السمات من هذا النمط، ولا هو نمط إنتاج جماعاتي، ولكن نمط إنتاج يمكن تسميته بالجزيائي، على اعتبار الضرائب التي كانت تجبى من قبل الدولة والتي يمكن اعتبارها جزية يقول العلوي. وأشار المحاضر خلال هذا اللقاء الذي حضره عدد كبير من الرفاق وأطر الحزب، إلى تضعضع هذا النظام الاقتصادي الذي جعل المغرب يتواجد في وضعية الحماية، حين أومأ إلى طبيعته التي يتداخل فيها ماهو ثقافي بما هو ديني - العشور، الزكاة.. – بمعنى آخر ، أن هذا النظام لم يكن ليضمن للمغرب الذي كان يعاني من مصاعب جمة تجسدت في ضعف الإنتاج وتوالي فترات الجفاف وظهور الأوبئة، فضلا على أن عدد السكان لم يكن يتجاوز 4 ملايين في مطلع القرن العشرين، موردا ماليا يمكن من خلاله ضمان مسايرة إيقاع التطور الاقتصادي والاجتماعي، زد على ذلك نمط الحكم خلال ذلك الإبان الذي لم يكن مناسبا ولم يكن يتساوق مع تطور العالم منذ القرن 13 و17، يقول العلوي، فنمط الحكم في المغرب وفي إطار هذه المنظومة كان ميالا إلى ما يمكن تسميته بالنمط الشرقي، مع العلم أن البيعة في تلك الحقبة كانت مقيدة من قبل رجال الدين والفقهاء والقضاة، مما كان يحد من السلطة ويساهم في تدهور الأوضاع. وأبرز المحاضر، أن المنظومة الاقتصادية والاجتماعية العتيقة جعلت المغرب غير قادر على الصمود في وجه كتلة من الدول في الشمال كان لها نمط إنتاج آخر، ومغاير، استطاعت بفضله أن تتطور وأن تطغى وتهيمن بشكل تدريجي ليس فقط على التجارة العالمية بل كذلك على العديد من الدول. كما أشار العلوي، إلى نمط الإنتاج الرأسمالي ووجهه السلبي الذي من خلاله استطاع عدد كبير من الدول الأوروبية أن يفرض اتفاقيات غير متوازية في إطار ما يسمى بالتبادل الحر على عدد كبير من الدول ما سمي بعد ذلك بالعالم الثالث، هذه الرأسمالية ، يضيف العلوي، كنمط إنتاج مازال المغرب يئن تحت وطأته لحد الآن، حيث أصبح نمطا معولما ويتحكم في مصير عدد من الشعوب. وأشار العلوي، إلى أن أصل الداء في توقيع معاهدة الحماية سنة 1912 قديم وقديم جدا، ولا يعود إلى المعارك الانهزامية التي سجلت في القرن 19 ولا التي وقعت في القرن 20، مذكرا في هذا السياق، بالأحداث الأليمة التي عاشتها الدارالبيضاء من خلال ما تعرضت له من قصف همجي من قبل الأسطول الفرنسي، ومات ضحيته المئات من المواطنين وتعرضت بسببه عدد من الدور للتخريب في مدينة الدارالبيضاء. وأبرز العلوي، دور المقاومة المسلحة التي استمرت إلى غاية 1934، والتي كانت بدايتها مع محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي حاول إنشاء دولة مضادة ليس فقط للاستعمار بل وأيضا للدولة التقليدية التي بقيت موجودة رغم دخول الاستعمار، كما أبرز دور المجابهة السياسية منذ 1930 المتجلية أساسا في مناهضة ماسمي بالظهير البربري الذي كانت من خلاله فرنسا تسعى إلى خلق انفصام بين أفراد الشعب الواحد، حيث استطاع المغرب بفضلهما أن يسترجع استقلاله بعد 20 سنة فقط على نهاية المقاومة المسلحة. وأكد المحاضر، أن التاريخ لا يمكن اليوم أن يعيد نفسه ، رغم وجود بعض المظاهر المشابهة، ف» أوروبا موحدة، ونحن منعزلين، ونحن ضعاف مقارنة مع أوروبا ، اقتصاديا، وعسكريا، ولكن، الأوضاع على مستوى العالم تغيرت ولا يمكن أن نسجل نفس الأوضاع التي أدت إلى إبرام اتفاقيات الحماية سنة 1912». وأشار العلوي، إلى أن نمط الإنتاج الرأسمالي سجل في سنة 1912 هزات قوية داخل كل مجتمع في الدول المتقدمة، مما يسمح بالتكهن باضمحلال هذا النمط من الإنتاج. وعبر المحاضر عن يقينه أن نمط الإنتاج الراسمالي الذي دخل في مرحلة من التقهقر والتدهور، محكوم عليه بالزوال، وأن الشعوب التي تضررت وتتضرر منه، ومن دون شك ، ستجد أفضل الطرق إلى تجاوزه. وأكد المحاضر، أن على المغرب أن يقوي اقتصادياته ويسعى إلى أن يدخل في نمط تنظيمه العام المزيد من الدمقرطة ليست الدمقرطة التمثيلية فحسب، بل الدمقرطة التشاركية، مما يعني أن عليه في إطار المقاولات المغربية على صغرها ومحدوديتها، أن تسعى أن تكون الطبقة العاملة والمأجورة مساهمة في حياتها بشكل مباشر، مما سيمكن من إضعاف نمط الإنتاج الرأسمالي وتقديم بديل لهذا النمط حسب العلوي. وليس هذا فقط، يقول المحاضر، بل أيضا على المغرب، من أجل تقوية ذاته، السعي للمساهمة في تكوين كتلة أكثر اتساعا، جغرافيا واقتصاديا مما هو عليه الآن، بعبارة أخرى، إنشاء المغرب الكبير الممتد من المحيط إلى الخليج «الفارسي»، تكتل متحرر من الرواسب التاريخية قادر على مجابهة الكتل الاقتصادية الكبرى، وزعزعة الحصون الرأسمالية المتواجدة في هذه القارة أو تلك. وأكد المحاضر، على وجوب الاعتناء بالجانب البشري من خلال الارتقاء بالتكوين التعليم الذي وصفه بالمتردي، هذا إلى جانب التحلي بالمزيد من الأممية لأن القليل منها يبعد عن الوطن، والكثير منها يعيد إلى الوطن. ومن جهته، تساءل محمد شيكر، رئيس مركز عزير بلال للدراسات والأبحاث، عن السبب الذي أعاق المغرب من أن يتطور ويساير الإقلاع الذي كانت تشهده بعض الدول كاليابان وكوريا الشمالية والصين والهند الشعبية. وأكد على أن المغرب تطور وتقدم بل وراكم ثروة- بغض النظر على المستوى الضعيف للتنمية وطبيعة هذه التنمية- إلا أن هذا لم يكن في اتجاه الإقلاع على درب الإنماء. وارتأى المحاضر أن المتغير كرس الثابت وعمل على إعادة إنتاجه وتجديده، كما أن هذه التغيرات التي وقعت في المغرب لم تكن بتلك القوة التي يمكن معها القطيعة مع الاستمرارية، من هنا يمكن القول، حسب المحاضر، بأن مغرب 21 هو نفسه مغرب 19، بمعنى آخر، أن المغرب لم يخرج من القرن 19 (هذه مجرد فرضية ولا تمت لأي منظور قدحي حسب المحاضر) . وأشار، إلى أن المغرب لم يعرف تحولات جوهرية ولم يستطع القطيعة مع استمرارية القرن 19، ويتجلى ذلك حسبه في مجموعة من الإشكاليات، منها ما يرتبط بالسيادة،إذ أن هاجس الوحدة الترابية، حسبه، مازال مطروحا، ويتمثل ذلك في اكتفائه باستقلال مبتور، وقبوله بانفصال ما يعرف بإقليم شنكيط (موريتانيا)، والحفاظ على وضعية المدينتين السليبتين وما يرتبط بهما، كما أنه لم يستطع التخلص من الاستعمار الفكري والثقافي والاقتصادي، وربما حتى السياسي حسب قول المحاضر، مبرزا ، أن المغرب وإلى حدود اليوم يؤدي غاليا ثمن هذا التوجه. أما على مستوى الإصلاح، الذي قال إنه كان مطروحا بشدة في القرن 19، فمازال المغرب إلى حدود اليوم، حسبه، لم ينه الإصلاح الدستوري ولم ينه عصرنة دواليب الدولة، ولا تثبيت الجهوية، ولا زال التعليم فيه في وضعية أقل ما يقال عنها وضعية متردية. إشكالية أخرى، والتي تبين أن المغرب لم يخرج من جلباب القرن 19، كما أشار إليها المحاضر في هذا اللقاء، تتعلق بإشكالية المالية العمومية، التي قال إنها تواجه المشاكل من عجز ومديونية، لضعف المداخيل الضريبية . فما زال المغرب يقول شيكر، على عهده القديم ينظر إلى الدولة بارتياب ولا زالت الدولة لم تجد التركيبة السحرية التي تجعل المواطن يثق فيها، مضيفا، أن المسافة التي تفصل بينهما تتجلى في حدود المواطنة وما تفرضه على المواطن من واجبات ( 60 في المائة من المقاولات تتملص من الضريبة بذريعة العجز). أما على مستوى الدولة، فمازالت لم تقتنع بعد بإحلال الإنسان في قلب سياستها الاجتماعية والاقتصادية،إذ أن السائد الآن، هو التوازنات الماكرواقتصاديه ، يقول المحاضر، على حساب التماسك الاجتماعي، مما يفسر اندلاع ما يسمى الربيع العربي، الذي يعود أساسا إلى تغييب الإنسان في السياسات الاقتصادية والاجتماعية. الإشكالية الرابعة حسب المحاضر، تتجلى في التخلف ، فالمغرب مازال دولة متخلفة، إذ أن التغيير لم يفض إلى التحول ولم يساعد على الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي ،فالمغرب على امتداد قرن بكامله عمل بالأساس على تأهيل تخلفه وجعل هذا التخلف يواكب تطور الدول المتقدمة. وأضاف المحاضر، أن التقسيم المجالي أو الترابي شكل هو الآخر إشكالية ،إذ أنه حتى بداية الاستقلال ماتزال ثنائية المغرب النافع والمغرب غير النافع، حاضرة في المغرب، وهي ثنائية كرسها الاستعمار الفرنسي لعزل البادية وكسر شوكة المناضلين فيها، وذلك لصالح نخبة حضرية عملت على تكوينها حتى تكون لها المخاطب الوحيد والأوحد بما يخدم مصالحها الاستعمارية، فالبادية بثقلها الديمغرافي وبتوسعها الجغرافي وبحمولتها التاريخية، كما يرى المحاضر، كانت تعد عاملا حاسما في تحديد مسار المغرب، إلا أن التهميش الذي تعرضت واستدامته، كان له نتائج خطيرة على مستقبل المغرب، ( ترييف المدن وظهور ما يسمى بمدن القصدير، بيع الأصوات في الانتخابات). ومن نتائج إقصاء وتهميش البوادي، أيضا تفاقم ظاهرة الهجرة القروية في ثمانينيات القرن الماضي، بالنظر إلى ماكانت تعرفه هذه السنوات من جفاف زاد الوضع تأزما بسبب سياسة التقويم الهيكلي التي أثرت بشكل كبيرعلى فئات عريضة من المستضعفين، وأدت إلى توسع ديمغرافي في المدن فاق المستوى... وأكد رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث على ضرورة استخلاص الدروس من هذه المحطة الأساسية الممتدة من 1012 (الحماية) إلى 2012(تشكيل حكومة جديدة وفق الدستور الجديد الذي صنع من قبل المغاربة وإلى المغاربة)، وهما سنتان حسب المحاضر تميزتا بمنعرجين هامين في تاريخ المغرب. وذلك من أجل التوجه نحو المستقبل عبر رأسملة هذه التجربة الهامة. وأكدت باقي تدخلات المشاركين خلال هذا اللقاء، على ضرورة الانتباه إلى ما تفرضه طبيعة المرحلة التي يجتازها المغرب من تحديات تجسدها الحاجة إلى ترسيخ مشروعه المجتمعي الجديد القائم على المزيد من التحديث، وعلى تقوية شروط المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى تحقيق التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتنمية الثقافية، مما يعزز وحدة المجتمع المغربي اليوم و يقوي تماسكه ودفاعه عن وحدته الترابية.