بين مأذونية وأخرى، ستجد النائبة الصحراوية كجمولة منت ابي نفسها تطارد التقارير الإعلامية، التي تصدر، بشبه يقين مُثبت، عن استفادة هذه المواطنة من امتياز يجعل حامله مُفردا (كالبعير) في مجتمع ما تزال فئات واسعة منه تعيش على الريع والاقتصاد غير المهيكل، إلى حين. ويخشى الناس أن يجد كل ذي اعتبار نفسه غارقا في أتون معركة لإثبات براءته من «تُهمة» الاستفادة من أي امتياز مستحق أو غير مستحق، لقناعة شخصية ثابتة أو لتشابه في الأسماء والصفات، كما رأينا من بعض المُحترمين، الذين خرجوا، حينا، لدحض ادعاء غير مسنود أو للدفاع عن حق مكتسب. وإذا كان القصد من نشر قوائم المستفيدين من المأذونيات مُقدر لشجاعة أصحابه، فإن معالجة هذا الوضع في أفق القطع مع هذه الثقافة سيُضيف لأصحاب هذا الالتزام أعباء أخرى لا تقل حجما عن الصعوبات المرتبطة بوضعية الاستثمار وشح الأمطار والتراجع المتوقع لعائدات السياحة وتقلص تحويلات المهاجرين وما إلى ذلك. ويَهُمنا أن تمضي الحكومة الرشيدة قُدما في الطريق الطويل للإصلاح بِنَفَسٍ بنّاء يمزج بين الحرص على تحصين المكتسبات وفي طليعتها المحافظة على أسباب الاستقرار، والتطلع لترسيخ سلوك مجتمعي جديد يتأسس على قيم المواطنة ومبادئ الدفاع عن الرموز المشتركة برؤية مُنْصِفة وجَامِعة ومُوَحِّدة. إن الالتزام بهذه الرؤية يُسائل الفاعلين الاجتماعيين وأصحاب التأثير لتجنب الإسقاط الذي يمكن أن تكون له تداعيات غير متوقعة على بعض الفئات المتأهبة للانقضاض على أنصاف الفرص لإثارة أسئلة لن تكون مفيدة، على الأقل في هذه المرحلة، التي تشهد فيها البلاد انتقالا، غاية في الدقة والحساسية. وقد رأينا الدور الخطير الذي أصبح يضطلع به الإعلام، بشتى أطيافه، في صناعة الرأي وعكس الاتجاهات وتأليب الأفراد ضد الجماعات، التي تُقدَّم على أنها تستفرد بالقرار السياسي والاقتصادي، ومنها النقاش الذي بات يتردد، بشكل متواتر، في بعض الأوساط ضد الأسماء التي حملتها قوائم المأذونيات. ونزعم، والحالة هاته، أننا سنكون أمام حالة من الاضطهاد الأدبي والأخلاقي يصعب الفصل فيها بين طبيعة الامتياز وصاحب الحق في منحه وبين المستفيد (حتى تثبت استفادته) من هذا الامتياز، الذي يعرف المغاربة ظروف استفادة البعض منه، بما لا يُبرر هذه الجعجعة القائمة في نظر الكثيرين، على حساب ملفات أكبر وأهم. ويُعد اسم السيدة كجمولة منت ابي، من الأسماء التي تعرضت، في مناسبات مختلفة، لقدر من الظلم لا تستحقه، على الأقل في نظر من يعرفها، لكونها قد حسمت منذ سنوات في سلوكات لم تعد تطيقها ومنها النفاق والمحاباة والسكوت عن المظلمة، مما جلب لها الكثير من المصاعب، تعاملت معها في حينها بالحزم الضروري. وقد شهدنا خلال محنة «اكديم إزيك»، كيف كان يتردد اسم هذه السيدة، من بين أسماء قليلة طُلب منها التدخل للمساهمة في حلحلة الأوضاع، التي كانت قد وصلت الطريق المسدود بين الوزير الشرقاوي وفريقه وممثلي السكان المعتصمين في المخيم الذي أقيم للاحتجاج على الأوضاع الاجتماعية لفئات عريضة من سكان الصحراء. كما تابعنا، مما رشح من مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، كيف سارت الأمور في اتجاه لا يعكس رغبة قيادة الحزب الذي تنتمي إليه السيدة منت ابي، وكيف ضاع على جُزء معتبر من أهل الصحراء فرصة الاستفادة من حضور امرأة مجتهدة، يؤمن الغالبية بإمكانياتها ويعتقدون أن تتويجها هو إنصاف لتاريخها في الدفاع عن الحق وأصحابه. ولذلك، فبقدر حاجتنا إلى حلول مبتكرة لمعالجة الملفات الكبيرة المطروحة على البلاد، فإننا نحتاج إلى أصوات الحكمة، التي تجعل الدفاع عن المصلحة العامة في طليعة انشغالاتها في ظل التحديات الكبيرة المطروحة على البلاد، وفي طليعتها ملف التنمية الاجتماعية والبشرية ومكافحة الفقر والأمية والحد من البطالة. ونحتاج كذلك إلى الحفاظ على صوت السيدة منت ابي ليعكس اتجاها مهما في المجتمع الصحراوي، يتطلع إلى إسماع رأي لا يجب أن يعكس بالضرورة اتجاهات الموقف الرسمي، بقدر ما يروم ترسيخ توجه أكثر مرونة وحكمة، بما يجلعه يتسع لجميع الحساسيات، بما في ذلك أصحاب الرأي المناوئ للرأي السائد. ونحن نحسب أن السيدة منت ابي، وقد اكتسبت ما يكفي من الخبرات في دروب السياسة واتجاهاتها، شرقا وجنوبا وغربا، تبقى من الأصوات التي تحتفظ بقدر من الاحترام لدى الجميع، لا بد من الاستفادة من إمكانياتها، بما يخدم الصحراويين ويوحد نظرتهم للمستقبل، لا سيما وقد تجمع في شخصها ما افترق في غيرها بحكم صلات الدم والقرابة، التي تجمعها، في نفس الوقت، بعدد من القبائل، في مجتمع ما يزال يحفظ قدرا من الاعتبار للروابط والعلاقات الاجتماعية.