دأبت تشفى القاطنة بإحدى قرى قبائل «بني وراين» بإقليم تازة? على شد الرحال بانتظام إلى حاضرة الإقليم لتلقي العلاج من مرض مزمن تعاني منه? إلا أنها لم تكن تستطيع أن تخطو خطوة خارج البيت دون الاستعانة بأحد أفراد العائلة لمرافقتها ليس بسبب وهن صحتها ولكن لمساعدتها على التواصل مع الآخرين لأنها لا تتحدث إلا الأمازيغية. حالة تشفى ليست إلا واحدة من بين حالات عديدة لنساء منسيات في قرى المغرب العميق يتعين الالتفاتة اليهن والمغرب يخلد اليوم العالمي للمرأة (ثامن مارس)? من أجل رصد واقعهن بكل ما يطرحه من إشكالات لغوية وثقافية واجتماعية واقتصادية تحكم عليهن بالعيش في عزلة تحت طائلة التهميش والإقصاء وبالتالي الحرمان من حقهن في التمتع بمواطنة كاملة. وفي هذا الصدد? يرى أحمد عصيد، رئيس المرصد الامازيغي لحقوق الإنسان والحريات، وجود نوع من الظلم المزدوج تجاه المرأة الأمازيغية، سواء في المحاكم أو في قطاع الصحة، أو في الإدارة، حيث ما زالت العديد من النساء الناطقات بالأمازيغية فقط يتعرضن للكثير من الحيف، ويجدن أنفسهن عاجزات عن التواصل في مؤسسات عمومية يفترض أن تكون في خدمتهن. ويؤكد هذا الباحث في الثقافة الأمازيغية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، على ضرورة رد الاعتبار للمرأة الأمازيغية التي خاضت معركة مزدوجة، معركة التحرر، ومعركة إثبات الذات عبر الحفاظ على الهوية ورموز الأصالة المغربية العريقة حيث حافظت بأشكال مختلفة على المظاهر الثقافية الأمازيغية في اللغة وعدد من التقاليد والعادات والفنون، وظلت تلعب دور الدينامو المحرك في عدد من المبادرات الثقافية والتنموية، مستفيدة من تنامي الوعي بأهمية و ضرورة المشاركة النسائية في كل المجالات. خصوصيات المرأة الأمازيغية تجعل معاناتها مضاعفة بالرغم من المكتسبات الهامة التي تم تحقيقها في مجال النهوض بوضعية المرأة فإنها لا زالت تعاني من العديد من المشاكل التي تزداد حدتها بالنسبة للمرأة الامازيغية بالنظر إلى خصوصياتها والمتمثلة أساسا في مشكل اللغة التي لا تسمح لها بالتواصل داخل المؤسسات العمومية مما يحول دون استفادتها من خدماتها بكل سهولة. وفي هذا الإطار، يقول الحسين أيت باحسين، الباحث في الثقافة الأمازيغية، في تصريح مماثل، إنه بالرغم من تنصيص الدستور على ترسيم اللغة الأمازيغية، فان الأمر لا يتطلب فقط قانونا تنظيميا ولكن إرادة سياسية من أجل الحفاظ على هذه اللغة، و إيلائها المكانة اللائقة بها داخل جميع المؤسسات. ويشير أيضا إلى هلال الفقر الذي يشمل القرى والمناطق الجبلية التي تفتقر إلى البنيات الأساسية، مما يعرض الساكنة للعزلة، التي تتحمل المرأة تبعاتها بالدرجة الأولى. ويثير الانتباه إلى خصوصية أخرى ترتبط بوضع المرأة الأمازيغية وتتعلق بجهل هذه المرأة لتاريخ المغرب والدور الذي قامت به مما يجعلها تعتقد أن الدعوة إلى النهوض بالأمازيغية يمكن أن يكون من أسباب التأخر والعزلة والتهميش وان الاندماج وتحسين وضعها سيكون عن طريق اللغات الأخرى، التي تعتبرها قنطرة لحل جميع المشاكل. وسجل غياب إرادة سياسية للنهوض بوضعية المرأة الأمازيغية الى جانب تقصير وسائل الإعلام، مؤكدا أن «جميع المبادرات التي تتخذ لصالح المرأة الأمازيغية في الوضعية التي تعيشها حاليا وبالنظر إلى هذه الخصوصيات، هي عبارة عن صدقات». من جانبها، ترى أمينة زيوال رئيسة جمعية صوت المرأة الأمازيغية، في تصريح مماثل، أن المرأة الأمازيغية تعاني الأمرين أولا لكونها امرأة وثانيا لأنها أمازيغية، إذ فضلا عن معاناتها من التهميش والإقصاء، ليس لديها الحق في المعلومة وليس لها دراية بالقانون وبمدونة الأسرة مما يؤدي إلى جهلها بحقوقها الأساسية. وأضافت أن المرأة الأمازيغية غالبا ما يتم هضم حقوقها بسبب مشكل التواصل لاسيما في المحاكم عندما يتعلق الأمر بقضايا الحضانة والنفقة كما أن جهلها للغة القضاء والقانون يحول دون ممارستها لحق مباشرة المساطر القضائية الحمائية من العنف والاستفادة من حملات التوعية والتحسيس. المرأة الامازيغية بين الأمس واليوم تشير كتب التاريخ إلى أن المرأة الأمازيغية كانت محط تقدير واحترام وسط قومها وكانت تتقلد مناصب الزعامة والصدارة. ومن الأدلة اللغوية التي تفيد أن هذه المرأة حظيت بمكانة عالية داخل المجتمع الامازيغي منذ فجر التاريخ كلمة «تمغارت» التي تعني الزعيمة، سيدة القوم ومذكرها «أمغار» الذي يعني الزعيم، سيد القوم. كما حظيت المرأة الأمازيغية بنفس المكانة المتميزة داخل أسرتها بتحملها لنسب العائلة أو ما يسمى بالأسرة الأميسية، و مايزال الأمازيغ إلى اليوم ينسبون رابطة الإخوة للمرأة حيث تأخذ كلمة (كوما/وولت م) أي الأخ والأخت و(ايت ما/است ما) أي الإخوة والأخوات معانيها الاشتقاقية من الأم (يما). وفي هذا السياق، يشير أحمد عصيد إلى أن عددا من الباحثين في السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا قد أوضحوا منذ نهاية القرن التاسع عشر و بداية العشرين، من خلال دراسة و تحليل البنيات الاجتماعية للقبيلة الأمازيغية آنذاك، أن المرأة الأمازيغية كانت دائما تحتل مركز الصدارة في المجتمع المحلي، فكان تقسيم العمل بينها و بين الرجل بالتساوي، كما كانت عماد الأسرة والحياة الفلاحية والطقوس الاحتفالية التي تقوم على رموز ثقافية غنية تبرز كلها أهمية دور المرأة. وفي نفس السياق، يؤكد فتحي بن خليفة، رئيس الكونغرس العالمي الأمازيغي، في تصريح مماثل، أن المرأة الأمازيغية بمنطقة شمال إفريقيا كانت تتقلد أعلى سلطة سياسية واجتماعية ودينية، غير أن وضعية المرأة تراجعت بعد التحولات التاريخية التي عرفتها المنطقة. وأضاف «نحن كأمازيغ لا ندعو إلى منح المرأة حقوقها، بل نطالب باسترجاع حقوقها ورد الاعتبار للمرأة كما كانت عليه من قبل». وشدد على أن النهوض بوضعية المرأة يكمن في تبني مشروع مجتمعي حداثي تنويري من خلال ترسيخ المساواة وسيادة القانون بشكل ديمقراطي حداثي. ويجمع المهتمون بالشأن الأمازيغي على أن استعادة الصورة المشرقة التي كانت عليها المرأة الأمازيغية رهين بإدراج اللغة الأمازيغية في كل القطاعات الحيوية باعتبارها لغة رسمية للبلاد، والتعريف بعطاء المرأة الأمازيغية في وسائل الإعلام وفي التعليم عبر إنصاف الوجوه النسائية الأمازيغية وإعادة الاعتبار للقيم الأمازيغية المرتبطة بالمرأة و بدورها الريادي المركزي في المجتمع المغربي الى جانب العناية بالتراث الأمازيغي، وإبراز أهمية الفنون الأمازيغية وخاصة منها التي تعرف إسهاما كبيرا للمرأة.