مسرحي مغربي امتلك أدواته الفنية من خلال دراسته بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، تخصص بالتمثيل وعمل ممثلا ومخرجا ثم تابع تكوينه بجامعة باريس العاشرة فحصل على دبلوم الدراسات العليا في المسرح وفنون الفرجة. ثم انتقل للعمل في السينما فأخرج عدة أفلام قصيرة إلى جانب فيلم روائي طويل بعنوان:الأندلس مونامور' أو ‘الأندلس يا حبيبتي'،إنه الفنان محمد نظيف الذي كان لنا معه حديث مستفيض عن صناعة السينما في المغرب. على هامش مهرجان وهران . * السينما في المغرب لها حضورها في العالم، أنت كمخرج وكاتب نص ما هي أهم الأشياء التي حصلت لتأخذ السينما بالمغرب هذه الخطوات المتقدمة وإن كانت لا تزال تحتاج للكثير، ما هي هذه الخطوات الحرية، المال والدعم، أو النص أو غير ذلك؟ - هناك أشياء عديدة هي التي جعلت السينما المغربية لها اسمها، قديما كنا نتحدث عن أفلام مغربية، الآن أصبحنا نتحدث عن السينما المغربية، وكما ذكرت هناك مجموعة أشياء أهمها أن هناك رغبة سياسية للقفز بهذا القطاع، لأنه دور حيوي ومهم، المغرب كأرض لتصوير أفلام أجنبية، من سنوات كان في الأمر تناقض، كانت أفلام عالمية تصور في المغرب، والمغرب لا ينتج أفلاما. أصبح من الضروري أن السينما المغربية تستفيد من هذه الإنتاجات، استفدنا من خلال تقنيين وممثلين في احتكاكهم وشغلهم بهذه الأفلام فأصبحوا محترفين، وصاروا يسيرون في أجواء التصوير كما هي الأفلام الأجنبية، والأميركية التي عندها تقليد وصناعة. كان هناك رغبة سياسية من خلال توفير صندوق دعم يصل إلى 10 أو 15 فيلما طويلا سنويا، وفي ثلاث دورات، هذه السنة 2012 نحن نخطط لإنتاج 23 فيلما طويلا، من خلال هذا الكم جيد، كذلك صار عندنا أفلام ذات نوعية عالمية تخرج من هذا الكم، لهذا أصبحنا نتحدث عن سينما مغربية تسافر لتمثل المغرب، وأصبحت لدينا صورة بذاكرتنا كمغاربة ولمجتمعنا المغربي، هذا شيء مهم لبلد معين أن تكون له صورة أو يمثل من خلال الصورة ومن خلال الأعمال السينمائية، هذا مهم جدا. طبعا ما زالت توجد بعض العراقيل والصعوبات وبعض الهفوات داخل تسلسل إنتاج الفيلم، الآن أصبحنا ننتج أفلاما لكن ما زال هناك مشاكل في توزيعها، نتمنى من خلال المهرجانات ومن خلال بعض الموزعين والقنوات الإعلامية زيادة الاهتمام بالسينما المغربية مما يساعد على تطورها'. * السينما المصرية كأول سينما عربية بدأت بانطلاقة جيدة، ولكن دخل عليها تجارب تجارية كثيرة، وأنت كمخرج هل تخاف على السينما المغربية وهي بعيدة عن التجاري، أو أن السينما من الضروري أن يوجد فيها بعض أعمال تجارية داعمة إلى جانب الأعمال النخبوية؟ - كل التناولات السينمائية نحن بحاجة لها، التجاري يجعل الجمهور يأتي إلى القاعات، وسينما المؤلف تصعد بالجمهور وتأخذه نحو مستويات وعوالم أخرى تختلف عن التجارية، لكن الاثنين عندهم الحق بالوجود والاثنين بحاجة إلى بعضهم، أحيانا فيلم مؤلف يستفيد لو خرج للسوق مباشرة بعد فيلم تجاري وهو يستفيد من هذا الاهتمام ومن الجمهور الواسع'. * برأيك ما هي أهم الأسباب التي جعلت السينما الإيرانية تصل إلى العالمية، هل السينما تتطلب حريات أو ثقافة غنية ومهارات فنية تكنولوجية، وأنتم في المغرب يشهد لكم بالعمق الفكري، بين الثقافة والفكر والحرية، ماهي الأشياء التي تخدم الصناعة السينمائية لتنطلق نحو العالمية؟ - 'هي كل هذه الأشياء، الحرية الثقافة ليس بالضرورة الإمكانيات المادية، أحيانا يكون في غنى من قلت الإمكانيات، غنى داخل الفقر، بمعنى غنى فكري في الخيال، في المتخيل، وجود حلول للتغلب على قلة الإمكانيات، أظن أن كل هذه الأشياء ضرورية، خصوصا في تقديم صورة أو حكاية محلية أحيانا مرتبطة بواقع المجتمع. لما نكون متأصلين في مجتمعنا فالناس لا بد أن يهتموا فينا. عندما نركز على هويتنا وخصوصيتنا بإيقاعاتنا وتطلعاتنا، وقتها الآخر يتهم فينا، أما إذا كنا نحاول أن نقلد الآخر نصير نسخة غير لائقة للآخر، طبعا البعض يذهب على أشياء غير جميلة، هذه أحيانا تزكي الآخر وتريحه لأنه هو يبقى أفضل وأحسن. ولكن أحيانا كما السينما الإيرانية وحتى التركية ليس عندهم عيوب على المستوى التقني، بمعنى ناس تقدم صورة كما تقدم في بلدان أخرى، ولكن ماذا تحكي هذه السينما وعن ماذا تتحدث؟ عن الجديد، فهي خارج عما يستهلك وتتقن وتأتي بالجديد. أظن أن هذا ما يمكن أن نسميه دور السينما الجديدة. إذا تحدثنا عن المغرب، هذه سينما الشباب الغربي، نعمل على البحث لإعطاء صورة عنا فيها تنوع، كل مخرج يكون عنده طريقته وبصمته ليكون لديه تنوع وتكامل'. *' في فيلم 'الأندلس ياالحبيبة' أنت الكاتب والمخرج، ركزت فيه على الثقافة والتعليم وكأنك تود أن تشير أن الثقافة والتعليم عندنا في تراجع، ظهر هذا من خلال الكتب التي كانت بين أيدي الطلاب، كذلك ركزت على موضوع الهجرة ومعالجتها، والأهم أنك ركزت على فساد السلطة السياسية وهي أساس الفساد من خلال تعاملها مع العصابات بالسر مما يؤدي لفساد المجتمع وتخلفه؟ السؤال متواصل: هل تقديم مثل هذا العمل في المغرب لا تواجه بتساؤل؟ بمعنى هل توجد حرية بأن تطرح هكذا موضوع جريء، ما هي الرسالة التي أردت أن توصلها للمشاهد؟ - الآن لدينا حرية من سنوات في المغرب، وهو البلد الوحيد الذي لا توجد فيه مراقبة على السيناريو، لجنة القراءة مستقلة تختار وتتغير كل سنتين. نعم، توجد حرية، والذي قدمته بالفيلم فعلا موجود فساد في السلطات وممكن أن نتحدث عليها، هذا شيء إيجابي للسينما والإبداع فعلا، ومن خلال معالجتي لهذا المشكل العويص وهو الهجرة السرية، كان ضروريا أن أضع أصبعي على الأشياء التي تؤدي لهذا، طبعا المسؤولية تبقى للسياسي، لماذا هذا الشباب يضحي بنفسه وهو يعرف أن مصيره يمكن أن يكون الموت، وليس المسؤول السياسي فقط، حتى السلطة الدينية من خلال ما يطرح على أنه إيمان، التعليم أو التكوين هل نكون فعلا شبابنا لبناء مستقبلهم في المجتمع؟ لماذا هذه الشريحة تفكر في البحث عن مستقبل زاهر، مستقبل آخر من خلال أفق آخر مجهول؟ وكذلك بينت عن التعليم في تكوين شباب متعلم عاطل، بمعنى التعليم لا يؤمن سوق شغل، أظهرت المعلم يعيش في حلم هذه الجنة المفقودة، هي الأندلس، حتى الغرب يتحدث عنها حيث كان التسامح والعلم والكل يعرف أن الفلسفة اليونانية وصلت إلى أوربا عبر العرب من خلال الأندلس، أردت أن أؤكد أن هذه الأندلس الآن لا تشبه أندلس زمان، وأن الحدود مقفولة، وأن حديث أوربا عن حرية الإنسان، رغم أن حرية التنقل تعد من حقوق الإنسان. وهم عندهم خطاب ولكن في الممارسة خطاب آخر، لذلك هؤلاء الناس لا يسمح لهم بالتنقل، وحتى الذين يقطعون إلى الضفة الشمالية، هل هم يجدون هذه الأندلس المفقودة'. *' دائما المبدع يقدم رؤيا ما، هل المتلقي قادر على فهم هذه الرؤيا وهل يأخذ شيئا منها؟ - هناك رؤيا للمخرج أو المؤلف من خلال حل معين أو حلول مقدمة، وعلى المتلقي أن يأخذ ما يريد أن يأخذه. طبعا ليس هذا بالضرورة، لو كان فيه طرح للمشاكل بشكل فني، وشكل ذكي ومركز للأشياء ممكن أن يجعل المتلقي بعد خروجه من العرض أنه يطرح تساؤلات ويفكر، ليس فقط كمستهلك للمنتوج الإبداعي إن صح التعبير لهذه لكلمة، ولكن يصير لديه تساؤلات وتأثيرات إيجابية، وهذا هو الإيجابي بالعملية الإبداعية. لو أخذنا فيلم 'الأندلس ياحبيبتي'، هو يقول إذا كانت الأندلس لا تأتي إلينا، لكن يجب أن نبني هذه الأندلس عندنا، بمعنى هو يطمح في بناء أندلس ولكن في وطننا نحن هذا رؤيا أو اقتراح، لكني فوجئت ببعض النقاشات من الجمهور أو الصحفيين، أنهم تلقوا الفيلم ووضعوا أسئلة وأجوبة أنا لم يكن بنيتي أن أتحدث عنها أو أسلط الضوء عليها، إذا كان في العمل الإبداعي أشياء تظهر للمتلقي وحالته واستعداده وتاريخه وثقافته الفكرية، كل هذه الأشياء تدخل كذلك في عملية العرض السينمائي'. * ما جديدك - أنا أكتب عملا مع أسماء الحضرمي وهي زوجتي، العمل فكرتها، نعمل على الفيلم الطويل من خلال أربع شخصيات، لمرض الاكتئاب وسيكون بعض الشيء درامي مع فجوات كوميدية، نأمل أن نحقق النجاح بهذا الفيلم الجديد'. * بعض المخرجين يحصلون على نجاح وشهرة كبيرة من خلال فكرة بسيطة، قدمت في العمل الأول والثاني، كما حصل في فيلم 'سكر بنات' أو حاليا 'هلأ لوين؟' أين يكمن السر في رأيك؟ - السر في الفكرة هي الانطلاق، ثم الشغل أو الاجتهاد والاهتمام. السينما تتطلب عملا وجهدا كبيرا، السينما فيها قلق، لأننا نعمل عملا لنشاطر فيه الجمهور، نحن لا نعمل عمل لنضعه في المكاتب، نحاول أن نقدم للجمهور أشياء تهمه، وهذا يتطلب شغلا كثيرا، وطبعا كل عمل جديد يطلب المزيد، وإلا من حصل على الميدالية الذهبية يتراجع إلى الفضية، ثم إلى البرونزية وهكذا يجب دائما التدريب والمواظبة'. * من ينظر للشارع ومجتمعاتنا العربية يلمح مظاهر التدين هو الغالب، وقد تجلى ذلك بعد ما يسمونه بالربيع العربي ومن خلال صناديق الاقتراع في أكثر من بلد، كيف سيكون مستقبل الموسيقى والدراما والسينما العربية في مثل هذه الأجواء؟ - 'أنا سآخذ المغرب كمثال: هو مجتمع فيه تنوع، وهناك مجموعة من المخرجين عندهم جرأة في تصوير لقطات ومشاهد، وهذا شيء إيجابي الآن، وكذلك في وصول إسلاميين إلى الحكم، نحن شخصيا نتعامل مع لعبة بشكل ديمقراطي، لكن هناك مكتسبات الآن، ومن الضروري على المبدعين أن يحافظوا على هذه المكتسبات، لو سمحنا في الأصبع سوف تضيع اليد، يجب أن نكون حذرين جدا، في المغرب ممكن يأخذون مدة زمنية وبعدها نشوف'.