خرج كل من تابع المقابلة النهائية للمونديال الأفريقي لكرة القدم، بقناعة راسخة وهى أن كرة القدم الأفريقية، تطورت بشكل مذهل، وأن صغار القارة كبروا بالشكل الذي أصبح يؤهلهم لهزم ما يسمى ب «الكبار». شهد اللقاء الختامي مستوى رائعا، وأفرز قيمة كروية متميزة طيلة 120 دقيقة، لتمتد السهرة الكروية بشكل مثير نحو الضربات الترجيحية ، معلنة في الأخير عن فوز أشبال المدرب هيرفي رونار بالكأس أمام حسرة أصدقاء ديدي دروغبا، العميد السيء الحظ والذي أضاع ضربة جزاء حاسمة في الربع ساعة الأخيرة كان من الممكن أن ترجح كفة المنتخب الإيفواري، والغريب أن نفس العميد أضاع خلال نهائي دورة 2006 ضربة جزاء أمام المنتخب المصري، وهي النهاية التي خسرتها الفيلة بالضربات الترجيحية كذلك. منتخب زامبيا ب « أطفاله « الصغار وبقيادة مدرب متمكن، وقع على مسيرة متوازنة طيلة مباريات البطولة الأفريقية، وبالرغم من تعادله في ثاني لقاء أمام ليبيا، فإنه واصل في صمت عروضه القوية، محققا ستة انتصارات على حساب كل من السنغال وغينيا الاستوائية، كان هذا خلال الدور الأول، أما في الربع فتمكنوا من إقصاء السودان، وفي النصف تجاوزوا غانا، وهى النتيجة التي اعتبرها كل المتتبعين مفاجئة، بالنظر إلى قيمة منتخب « النجوم السوداء «. يقف خلف المنتخب الزامبي بلاعبيه الصغار، رجل صاحب خبرة وتجربة، نجم بكل ما في الكلمة من معنى، والنجم هنا لا يقاس بتاريخه وبالأموال التي جناها طيلة مسيرته الرياضية، ولكن وهذا هو الأساس بأخلاق عالية، رزانة وكاريزما، إنه كالوشا بواليا، الذي يمثل الأخ الأكبر للاعبين والطاقم التقني. كالوشا الرئيس الحالي للإتحاد الزامبي لكرة القدم، كان حاضرا بثقله مقدما الدعم المعنوي والنفسي لكل مكونات منتخب بلاده، ليستحق في الأخير حمل الكأس الذهبية التي عجز عن حملها كلاعب متألق، ميز الجيل الذهبي لكرة القدم الزامبية، هذا الجيل الذي قضى أغلب أفراده في حادث تحطم الطائرة سنة 1993 على مشارف العاصمة الغابونية لبروفيل، وهي نفس المدينة التي شهدت سنة 2012 تتويج منتخب « الرصاصات النحاسية» اهدءا لأرواح زملائهم الذين قضوا في الحادث المأساوي. التتويج المستحق للمنتخب الزامبي يقدم بالفعل درسا بليغا لكل الذين يلهثون وراء التألق بكل الوسائل وبأبهظ الأثمان، فمسؤولو كرة القدم الزامبية بقيادة الدولي السابق كالوشا، اعتمدوا السهل الممتنع في بنائهم لهذا المنتخب البطل، تعاقدوا مع مدرب في بداية المشوار، وبأجر لا يتعدى 35 ألف دولار، جلبوا لاعبين صاعدين يبرز وسطهم كتانغو بصفته صاحب الخبرة والتجربة، استعدوا للكأس بالجارة جنوب أفريقيا، فكان الدخول الفعلي للمونديال الأفريقي منذ البداية وبدون أدنى تردد، بعد فوز قوي على حساب السنغال، لتمتد المسيرة الإيجابية بعد ذلك إلى النهاية التي تابعنا مساء الأحد بكثير من الإعجاب والتقدير... وبالقدر الذي أسعدنا تتويج منتخب الزامبي، بالقدر الذي تأسفنا على الخسارة غير المستحقة للمنتخب الايفواري الذي أبهر كل المتتبعين بمستواه التابث، وبعروضه الرائعة، قدم كل أرقام الاستحقاق، فهو الفريق الوحيد الذي لم تدخل مرماه أية إصابة، احتل خط هجومه المركز الأول بتسعة أهداف في هذه البطولة، خلال مرحلة الاقصائيات فاز في اللقاءات الستة، واحتل مركز الصدارة بثمانية عشرة نقطة، وكان يمني النفس بتتويج تاريخي يهديه للشعب الايفواري الخارج للتو من حرب أهلية طاحنة. إنه درس بليغ قدمه لنا منتخب زامبيا، ومعه مجموعة من المنتخبات الأفريقية، التي كانت تصنف بالصغيرة، فالبحث عن مدرب معروف ليس مفتاحا ضروريا للتألق، وتخصيص ميزانيات كبيرة لا يعتبر أمرا أساسيا للوصول إلى أعلى المراتب، وحده التدبير المعقلن والتسيير المبني على المعرفة والخبرة، كفيلان بتحقيق النتائج المنتظرة، أما الدوران وسط حلقة السماسرة والإنتهازيين والإنتفاعيين، على حساب الكفاءات والخبرة الميدانية، فنتائجه معروفة وقد وقفنا عليها جميعا خلال دورة 2012، بعد خروج مذل لتشكيلة ايرك غيريتس، رغم الإمكانيات الضخمة التي وضعت تحت تصرفها.