يتصدر الشغل قائمة المطالب الاجتماعية المعبر عنها من لدن أوسع فئات شعبنا وشبابنا، كما أنه يعتبر المحرك لأبرز الحراكات الاحتجاجية في مختلف مناطق المملكة، وفي نفس الوقت يبقى هو المجال الأكثر احتضانا للخطابات الشعبوية، وهو أيضا الأكثر حاجة اليوم لجهد فكري من لدن مختلف الفاعلين المعنيين، ولجرأة سياسية قوية من لدن كافة مكونات حقلنا السياسي والنقابي والاجتماعي. قرأت أمس الخميس على الصفحة الأولى للزميلة «الصباح» مقالة للصديقة المبدعة سناء العاجي تحت عنوان «شونطاج الوظيفة العمومية»، وقدمت بدورها أسبوعية «الوطن» في عددها الذي نزل أمس إلى الأكشاك ملفا حول معضلة التشغيل تضمن آراء لم تخل من استفزاز إيجابي للعقل الشعبوي السائد، ونشر منذ أيام المقاول المنشغل بالهاجس الاجتماعي جمال بلحرش رأيا في السياق نفسه، وهذه نوافذ ثلاثة يجب أن تحفزنا كلنا اليوم لإثارة معضلة التشغيل، والتعبئة الوطنية الحقيقية لإيجاد المخارج والحلول لها بعيدا عن الحلول الظرفية أو النقاشات المتوترة من هذا الطرف أو ذاك. من حق الناس فعلا أن تطلب الشغل، ولكن ليس من حقنا جميعا تجاه بلدنا ومستقبله أن نجعل تلبية المطلب مقترنة بإجراءات تنفيس الاحتقانات الاجتماعية في الشارع، أو أن تتم فقط من خلال إغراق أسلاك الوظيفة العمومية. اليوم هناك حاجة ملحة لتنكب الدولة على تخطيط محكم وجريء لمواجهة هذه المعضلة، وذلك باستحضار واقعنا الديموغرافي، وأيضا واقع ومستقبل منظومتنا التعليمية والتكوينية، بالإضافة إلى التحديات المطروحة على اقتصادنا الوطني، وعلى الأفق التنموي لبلادنا. لا أحد ينكر اليوم أن جامعاتنا ونظامها التكويني في حاجة ماسة إلى قرارات شجاعة تحد من توافد آلاف الخريجين منها مباشرة على ساحات الاحتجاج والاعتصام بدل إيجاد مكان في سوق العمل، ولا أحد ينكر أيضا أن العمل في القطاع العمومي بات يعني في مخيلة الغالبية من شبابنا ضمان راتب شهري وتغطية صحية وتقاعد من دون أي تفكير في الإنتاجية أو العطاء، ولا أحد ينكر ثالثا أن عقليتنا الثقافية كرست لدى الكثيرين رفضا مبدئيا للتكوين المستمر أو لملاءمة التكوين مع حاجيات سوق العمل... واعتبارا لهذا، فإن خطوات جذرية في مجال التعليم ونوعية التكوين ومستوى ما يوفره من موارد بشرية، إلى جانب تطوير التكوين المهني، وبلورة منظومات تحفيزية ومالية ومداخل لملاءمة التكوين لفائدة الخريجين، هي التي من شأنها فرض أسلوب تعاطي جديد مع المعضلة، وتسهم في بداية تغيير منغلقاتنا الثقافية والتمثلية السائدة بشأن التشغيل والتكوين وغيرهما. من باب المسؤولية الوطنية اليوم الابتعاد بالنقاش السياسي والعمومي المرتبط بالتشغيل وبالشباب العاطل عن كل الشعبويات التي لا تنتج حلولا أو أفكارا، والسير بدل ذلك نحو انخراط الفعاليات الاقتصادية والنقابية والسياسية والاجتماعية إلى جانب مؤسسات الدولة في تفكير وطني رصين يقوم على نظر استراتيجي للواقع وللمستقبل وللتحولات الإقليمية والدولية. إنه ورش المرحلة، ومن أجل انطلاقة سليمة له يقتضي الأمر من نخبتنا السياسية الإقدام على تفكير شجاع بهذا الخصوص، ومن هنا، ننوه بالنوافذ الإعلامية الثلاثة المشار إليها أعلاه، لكونها مدخلا مناسبا لبلورة حوار وطني جريء حول معضلة التشغيل في بلادنا. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته