أميركا لإيران: هرمز والنووي خطان أحمران تشتد العزلة الدولية على إيران التي تصعد من حدة مواقفها وتهدد بإغلاق مضيق «هرمز»، الشريان الحيوي للنفط العالمي، فيما تواجَه بعقوبات اقتصادية تطال مصرفها المركزي وهي مهددة بالحظر النفطي، ما يهدد الاقتصاد العالمي ويضع العالم أمام خيارات صعبة. ومع نهاية العام 2011، نشرت الوكالة الدوليّة تقريرًا وصفته ب»عالي الصدقيّة»، يؤكّد أنّ إيران تسعى إلى التسلح النووي. في المقابل، اتخذت إيران شقين للمواجهة، إذ عبر كبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي أن بلاده مستعدة لاستئناف المفاوضات مع الدول الكبرى في شأن البرنامج النووي الإيراني، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن طهران «ستقوم برد كبير على جبهات عدة ضد أي تهديد يطاول الجمهورية الإسلامية في إيران». أميركا: «هرمز» والنووي خطان أحمران وردًا على التهديدات الإيرانيّة بإغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الاستراتيجي لنقل النفط، أعلن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا الأحد أن الولاياتالمتحدة «سترد» إذا ما سعت إيران إلى إغلاق مضيق هرمز، مشيرا إلى انه «خط احمر» لا ينبغي تخطيه. وقال بانيتا في برنامج «فايس ذى نيشن» (واجة الأمة) لشبكة سي.بي.اس التلفزيونية «كنا واضحين جدا عندما قلنا إن الولاياتالمتحدة لن تسكت على إغلاق مضيق هرمز. انه خط احمر بالنسبة لنا وسنرد على ذلك». وكانت إيران قد باشرت في 24 ديسمبر الماضي مناورات عسكرية أطلقت عليها تسمية «الولاية 90» التي استمرت لعشرة أيام في منطقة مضيق هرمز وبحر عمان والمحيط الهندي. وأعلنت خلالها أنها مستعدة وقادرة على إغلاق هذا المضيق الاستراتيجي الذي يعبره ما بين ثلث و40% من النفط المنقول بحرا في العالم، ما أثار استياء عالميا. كما هددت إيران البحرية الأميركية بضرورة عدم العودة لمياه الخليج، بعد أن استفزها عبور حاملة الطائرات الأميركية «جون ستينينز» المتمركزة في الخليج أثناء المناورات، الأمر الذي رد عليه الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بان «البحرية الأميركية تعمل وفقا للقانون الدولي ولا توجد خطط بسحب أي من القطع البحرية الأميركية من المنطقة». من جانبه، اعتبر الجنرال الأميركي مارتن ديمبسي، قائد القوات الأميركية، الأحد أن إيران قادرة على إغلاق مضيق هرمز مؤكدا في الوقت نفسه انه سيكون «عملا لا يمكن السكوت عليه». وقال في البرنامج نفسه إلى جانب بانيتا «لقد استثمروا في وسائل يمكن أن تتيح لهم إغلاق مضيق هرمز لفترة. ونحن من جانبنا استثمرنا في وسائل تكفل لنا الغلبة في مثل هذه الحالة». وأضاف الجنرال ديمبسي محذرا «سنتحرك وسنعيد فتح المضيق» إذا جرى إغلاقه. لكن هل التهديد الإيراني واقعي؟ ترى صحيفة «دايلي تلغراف» أن الإيرانيين يدركون جيداً أنه مهما كانت قوتهم فلا يمكن أن تضاهي القوة الأميركية، وأن حاملة طائرات أميركية توازي القوة الجوية الإيرانية كافة. وأضافت أن البحرية البريطانية بصدد إرسال احدث سفنها الحربية وأكثرها تقدما إلى الخليج في قرار يهدف إلى إرسال إشارة إلى طهران، حيث حذر وزير الحرب البريطاني ديفيد هاموند إيران من مغبة محاولة إغلاق مضيق هرمز. ولم يتوقف الأمر عند حد مضيق هرمز، إذ أعلنت طهران اليوم أنها ستشغل قريبا منشأة تخصيب اليورانيوم تحت الأرض. ونقلت صحيفة كيهان الإيرانية عن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية فريدون عباسي دواني قوله إنه «سيبدأ تشغيل محطة التخصيب النووي (فوردو) في المستقبل القريب حيث يمكن تخصيب اليورانيوم في هذه المنشأة بنسبة 20% و3.5%». وقد أكّد وزير الدفاع الأميركي يوم الأحد وجود «خط احمر» آخر بالنسبة لواشنطن وهو إقدام إيران على صنع سلاح نووي من خلال برنامجها المختلف عليه. وقال: «هل يقومون بإنتاج سلاح نووي؟ لا. لكننا نعلم أنهم يسعون إلى امتلاك قدرة نووية وهذا يشعرنا بالقلق». وأكد بانيتا وديمبسي مجددا الأولوية التي تعطيها واشنطن للعمل الدبلوماسي وللعقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني دون أن يستبعدا مع ذلك التحرك العسكري. تهديدات إيران مكلفة ولعل أشد القصاص الذي نالته إيران من تهديداتها حتى الآن جاء مع توقيع الرئيس الأميركي باراك اوباما أوائل العام الجاري، قانونا ينص على فرض عقوبات جديدة تسمح بتجميد أرصدة أي مؤسسة مالية أجنبية تقوم بمبادلات تجارية مع البنك المركزي الإيراني في قطاع النفط. وبالرغم من أن الحكومة الإيرانية شكلت لجنة خاصة يرأسها محمود احمدي نجاد وتتألف من كبار المسؤولين العاملين في الحقل الاقتصادي لمواجهة هذه العقوبات، إلا أن بعد أقل من 24 ساعة على إعلان واشنطن العقوبات، سجل سعر صرف التومان الإيراني انخفاضاً جديداً بلغت نسبته 12% أمام الدولار، ويتوقع الخبراء الاقتصاديون زيادة العقوبات الدولية على إيران في ظل استمرارها في نهج سياستها المعتادة. من جانبها، ناشدت فرنسا الدول الأوروبية بفرض عقوبات صارمة على طهران، وحث وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه على اتباع النموذج الأميركي بتجميد الأصول العائدة للمصرف المركزي الإيراني وفرض حظر على صادرات النفط الإيرانية من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي انضمت إلى الولاياتالمتحدة الأميركية، واتفقت مبدئيا على تطبيق حظر نفطي على إيران على خلفية اتهامها بالسعي لتصنيع أسلحة نووية، وتجري ببروكسل مشاورات لوضع اللمسات الأخيرة على قرار الحظر النفطي قصد عرضه على اجتماع وزراء خارجية أوروبا نهاية الشهر الجاري. إلا أن فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا تبحث أقصى لفترة السماح لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ويوضح دبلوماسي أوروبي طلب عدم الكشف عنه أن ثمة جملة مقترحات والدول الأكثر ارتباطا بالخام الإيراني تطلب أقصى فترة ممكنة. ويذكر أن أوروبا تعد ثاني أكبر سوق للنفط الإيراني بعد الصين. وقد تواجه المصارف المركزية الأجنبية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني في الصفقات النفطية قيودا ما يثير مخاوف من أن يضر ذلك بالعلاقات بين الولاياتالمتحدة ودول أساسية مثل الصين وروسيا اللتين تقيمان مبادلات مع إيران. كما أدى الإعلان عن بدء سريان العقوبات الأميركية على إيران وأخرى أوروبية قيد الدرس إلى ارتفاع كبير لأسعار النفط في الأسواق العالمية، حيث تم اليوم تداول العقود الآجلة لمزيج برنت القياسي بأكثر من 113 دولارا للبرميل، أي أكثر بستة دولارات منذ أعلن أوباما التوقيع على العقوبات الجديدة. في السياق ذاته صرحت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية إن اليابان وكوريا الجنوبية تبحثان عن بدائل للخام الإيراني بضغط من العقوبات الأميركية، وأوضحت الصحيفة أن «جي أكس نيبون للنفط والطاقة» -أكبر شركة مصاف للنفط في اليابان- تتفاوض مع السعودية ودول أخرى لإيجاد إمدادات بديلة. وساطة تركية في المقابل، يسعى الإيرانيون الآن لكسر حالة العزلة الدولية الحاصلة والتي تضيق عليها يوما بعد يوم، ويزيد من وطأتها العقوبات الاقتصادية، فارسلوا إشارات عاجلة عبر تركيا تفيد باستعداد بلادهم لاستئناف المحادثات مع الغرب وتحديداً مع مجموعة 5+1 بشأن البرنامج النووي الإيراني. وفي هذا الجانب أعلن السفير الإيراني لدى ألمانيا «علي رضا شيخ عطار» مطلع الأسبوع الماضي أن جولة أخرى من المحادثات بين إيران والقوى العالمية، حول برنامج طهران النووي من المتوقع أن تعقد قريبا؛ مشيرا إلى أن المفاوضات جرت للتحضير لهذه الجولة مع دول 5+1 التي تضم ألمانيا والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وفرنسا وروسيا والصين؛ موضحا أن «المحادثات في هذا المجال قيد الدراسة، وتم القيام بمكاتبات، ومن المقرر القيام بمراسلات أخرى من جانبنا، وبعدها يتم الإعداد للقاءات». ورغم البرودة في العلاقات الإيرانية-التركية بسبب عدد من الملفات يتصدرها الملف السوري وموضوع الدرع الصاروخية، إلا أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو زار طهران الأسبوع الماضي حاملاً الدعوة الأوروبية للتفاوض بخصوص برنامج إيران النووي وحملا أيضا طلباً للرد. والإيرانيون هم الأكثر استعجالا بتحديد موعد المفاوضات في أقرب وقت ممكن، وقبل البحث بموضوع فرض العقوبات الاقتصادية الإضافية. فأكدوا لأوغلو استعدادهم للتفاوض.