عرفت سنة 2011 على المستوى الاقتصادي عددا من التطورات والأحداث وإطلاق عدد من المشاريع المالية والاقتصادية كان أبرزها رؤية 2020 في المجال السياحي وإنشاء القطب المالي للدارالبيضاء. ولعل ابرز التطورات الأخرى التي سجلت خلال السنة سحب مشروع القانون المالي 2012 في وقت كان قد أخذ طريقه إلى البرلمان لمناقشته وربما المصادقة عليه في الآجال التي ينص عليها القانون. وكان المشروع قد فجر جدلا حادا بين مكونات المجتمع المغربي ولا سيما وسط الطبقة السياسية والفاعلين الاقتصاديين. وقد دافع وزير المالية، صلاح الدين مزوار، على هذا المشروع الذي واصلت من خلاله الحكومة «التوجه في اختياراتها المتعلقة بدعم النمو وتشجيع الاستثمار العمومي لمواجهة آثار الأزمة ومواكبة متطلبات الاقتصاد الوطني». وقال إن الحكومة ركزت على الجوانب التي تتحكم فيها ومنها دعم النمو الداخلي وتنويع مصادره واستغلال الهوامش التي يتيحها لتوظيفها في تدبير مخلفات الأزمة الاقتصادية العالمية. وأبرز مزوار «وجاهة خيار الحكومة المرتبط بمواصلة تشجيع الاستثمار العمومي، عبر اعتماد آليات جديدة، كصندوق دعم الاستثمارات الذي سيتم تمويله ب50 بالمائة من مداخيل تفويت حصص من رساميل المؤسسات العمومية، لتعبئة التمويلات الضرورية لمواكبة الاستراتيجيات القطاعية وحاجيات الاقتصاد الوطني. وبخصوص تشجيع المقاولات، أبرز مزوار التدابير التي أقرها مشروع قانون المالية لفائدة تشجيع المقاولات الصغرى ومنها إقرار سعر تحفيزي مخفض حدد في 15 في المائة كمعدل على الضريبة على الشركات، إلى جانب التدابير الخاصة بإدماج العاملين في القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي. من جهة أخرى، أكد الوزير أن هناك تقدما على مستوى المؤشرات الاجتماعية، مذكرا بالتدابير التي جاء بها مشروع قانون المالية لسنة 2011 في مجال تشجيع الادخار في السكن والتعليم. وبخصوص الجانب المتعلق بتقوية الشفافية والمراقبة, أبرز مزوار أنه تم تهييء مشروع قانون لتعديل القانون التنظيمي لقانون المالية سيتم عرضه على أنظار المؤسسة التشريعية. وكانت الانتقادات الموجهة لهذا المشروع قد أشارت إلى أنه «لم يتعامل بما فيه الكفاية مع تداعيات الأزمة المالية العالمية». كما اعتبرت أن مشروع الميزانية المقدم «لم يأت بجديد، وتطغى عليه المقاربة القطاعية على حساب المقاربة الشمولية». كما اعتبرت أن هناك غيابا « لإجراءات جريئة للتعامل مع عدة مشاكل تتعلق على سبيل المثال بالرفع من وتيرة الاستثمار الخارجي الذي عرف هذه السنة نوعا من التقلص، وتحديد منابيع جديدة للنمو، وعدم القيام بتدابير قوية للتعامل مع الإصلاحات الجارية بالمغرب»، واصفين المشروع بأنه «يبقى ضعيفا وتنقصه الجرأة». وخلصت الانتقادات إلى أن مشروع القانون المالي «لا يقدم قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد المغربي تمكنه من الخروج من الأزمة ومسايرة اقتصاديات الدول الصاعدة التي يصل متوسط معدل النمو بها إلى 7.5 في المائة، في حين يقترح المشروع نسبة نمو تعادل 5 في المائة». صندوق المقاصة ...الإشكالية المعقدة كما عرفت سنة 2011 عودة قوية للنقاش المتعلق بإصلاح صندوق المقاصة. وتتوقع أن تناهز اعتمادات الدعم للمواد الأساسية 48 مليار درهم برسم السنة التي نودعها، وهو مستوى غير مسبوق. ويعزى هذا الارتفاع في أموال الدعم إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية في الأسواق العالمية، خصوصا النفطية منها. وقد تسبب الارتفاع في الفاتورة النفطية التي تتحملها الدولة في تفاقم عجز الميزان التجاري ب20% في الأشهر السبعة الأولى من 2011، حيث بلغ هذا العجز 106 مليار درهم حسب بيانات رسمية.ويستورد المغرب أغلب حاجياته من النفط والغاز، وتشكل فاتورة المحروقات ربع إجمالي قيمة الواردات، وقد زادت هذه الفاتورة بنسبة 40% مقارنة بالعام الماضي. ويدعم المغرب أسعار مواد أساسية كالبترول وغاز البوتان والدقيق والسكر لجعل ثمنها في متناول عموم الأسر المغربية، غير أن النقاش تركز حول كيفية تدبير أموال الدعم، حيث يستفيد منها الأغنياء أكثر من الفقراء لأن استهلاكهم أكبر، في حين أنشئ صندوق المقاصة لدعم الأسر المعوزة. غير أن حساسية موضوع إلغاء الدعم المباشر لسلع أساسية جعلت الحكومة تفضل التروي قبل القيام بأي خطوة في هذا الصدد فيما توالت الدراسات والدراسات المقارنة من أجل بلورة صيغة مثلى ومباشرة لتصريف هذا الدعم لفائدة المستهدفين منه. وتميزت السنة أيضا بالمعطيات الرسمية التي تفيد بمواصلة الطلب الداخلي لديناميته، وتوطيد وثيرة النمو الاقتصادي، هذا مقابل مساهمة سلبية للمبادلات الخارجية وارتفاع طفيف لحاجية تمويل الاقتصاد. وحسب المندوبية السامية للتخطيط فالاقتصاد الوطني حقق إلى حدود نهاية أكتوبر نموا نسبته 4.2 في المائة على مستوى الحجم مقارنة مع نفس الفصل لسنة 2010 حيث لم يتعد 3.6 في المائة السنة المنصرمة. وأضاف المصدر ذاته أن الناتج الداخلي الإجمالي حقق بالأسعار الجارية ارتفاعا بنسبة 3.3 في المائة، الأمر الذي أدى إلى تراجع في المستوى العام للأسعار (السعر الضمني للناتج الداخلي الإجمالي) بنسبة 0.9 في المائة. ويعزى هذا التراجع إلى انخفاض صافي الضرائب من الإعانات بحوالي 30% بسبب ارتفاع الإعانات. وبالاقتصار على مجموع القيم المضافة، فإن السعر الضمني سجل ارتفاعا بنسبة 2.9%. وأضاف ذات المصدر أن في هذا الوضع تحسنت، من جهة، القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 4.6% عوض انخفاض بنسبة 3.4% خلال نفس الفصل من السنة المنصرمة، ومن جهة أخرى الناتج الداخلي الإجمالي غير الفلاحي بنسبة 4.1% بدل 4.7%. وحسب المندوبية فالنمو الاقتصادي المسجل نتج بشكل أساسي عن الطفرة التي عرفها الطلب الداخلي. إذ ارتفعت نفقات الإستهلاك النهائي للأسر بنسبة 5.4 في المائة عوض انخفاض نسبته 0.2 بالمائة حيث ساهمت ب 3.1 نقطة في النمو الاقتصادي. وقد تزايد إجمالي تكوين رأسمال بدوره بنسبة 4.2% بدل 4.1% مساهما بذلك في النمو الإقتصادي ب 2.6 نقطة. وعلى عكس ذلك، يضيف ذات المصدر، ساهم رصيد ميزان المبادلات الخارجية للسلع والخدمات بصفة سلبية في النمو الاقتصادي ب 2.1 نقطة. وهكذا، ارتفعت صادرات السلع والخدمات بنسبة 10.2% عوض 15.1% مساهمة ب 3.1 نقطة في النمو الاقتصادي. في حين، ارتفعت الواردات بنسبة 14.9% عوض انخفاض بنسبة 2%، مساهمة بذلك بصفة سلبية في النمو الاقتصادي قدره 5.3 نقطة. كما سجل الدخل الوطني الإجمالي المتاح خلال الفصل الثاني من سنة 2011 ارتفاعا نسبته 4.8% مقابل 3.8%. على مستوى الشراكة بين المغرب وعدد من التكتلات الاقتصادية وعلى رأسها الاتحاد الاروبي عرفت السنة التي نودعها تطورات من شأنها أن تزيد من الصعوبات التي تعرفها المبادلات الخارجية للمغرب ولا سيما صادراته من المواد وأيضا من الخدمات في مقدمتها السياحة. ركود اقتصادي عالمي وتأثيرات سلبية على المغرب في هذا السياق حذر فاعلون من أن الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها الاتحاد الأروبي تهدد حتى الحصص الحالية لصادرات المغرب إلى الاتحاد، كما تهدد حصص المغرب في الأسواق الأخرى عبر العالم. فالواردات تزداد بوتيرة أكبر من وتيرة ارتفاع الصادرات، وهو ما يعطي تفاقما للعجز التجاري المغربي. وأكدوا على أن المغرب مازال لم يجد الاستراتيجية الملائمة لمعالجة المشكل البنيوي لصادراته. واعتبر البعض أن نموذج المغرب المعتمد على التنمية عبر الطلب الداخلي نموذج فاشل. في هذا الصدد عقد البرلمان الأوربي في 8 دجنبر الماضي جلسة جديدة من المشاورات حول الملف الفلاحي في اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأروبي. وينتظر أن يتم التصويت في 26 من يناير 2012 على الاتفاق الفلاحي الموقع مع المغرب بعدما تم تأجيل عرضه على التصويت شهري يونيو ويوليوز الماضيين. وتتواصل المشاورات داخل البرلمان الأروبي في سياق الجدل الذي مازال قائما حول البروتوكول الفلاحي الذي انطلقت المفاوضات بشأنه سنة 2006 بين الحكومة المغربية ومجلس وزراء الاتحاد الاروبي وتم التوقيع عليه في دجنبر 2010، وهو الجدل الذي يزيده حدة المعارضون لهذا الاتفاق مع المغرب، خاصة اللوبي الاسباني الذي لا يريد أية منافسة من قبل المصدرين المغاربة. وينتقد هؤلاء بشكل خاص رفع حصص الصادرات المغربية بمعدلات جمركية منخفضة خاصة بالنسبة للطماطم وعدد آخر من الخضروات والفواكه وعلى رأسها الليمون وعلى مستوى السياحة التي تعد أهم مصدر لجلب العملة الصعبة تم إطلاق العديد من الأوراش السياحية الكبرى، لعل أبرزها رؤية 2020 والمخطط الأزرق وإنشاء الهيئة المغربية للاستثمار السياحي، التي تروم تعزيز وجهة المغرب كبلد سياحي بامتياز وجلب 20 مليون سائح في افق 2020. من جهة أخرى تميزت سنة 2011 بنقص كبير في مجال السيولة البنكية مما جعل شروط منح القروض اكثر تشددا. في هذا الإطار قرر بنك المغرب إعفاء الابناك من توفير الاحتياطي النقدي الإجباري على الحسابات على الدفتر وذلك بغية تحسين وضعية السيولة التي تمر من أزمة حقيقية انعكست تداعياتها السلبية ولازالت تخيم على النشاط الاقتصادي الوطني. وعلى الرغم من تدخلات البنك المركزي المتواصلة التي تهدف إلى ضخ ملايير الدراهم في إطار التسبيقات لسبعة ايام في السوق النقدية فقد ناهزالعجز في السيولة لدى الأبناك 28 مليار درهم. كما سجلت الموجودات الخارجية الصافية تراجعا بفعل انكماش الاحتياطيات الصافية للصرف لدى بنك المغرب.