عرف قطاع الثقافة بالمغرب خلال السنة المنصرمة, وبالرغم من رجات كانت حسب المتتبعين «صحية»، تألقا دوليا في كل المجالات، حيث حقق المثقفون والفنانون المغاربة، بمختلف مشاربهم، تواجدا تمثل، بالخصوص، في انتزاعهم لجوائز وتقديرات في تظاهرات إقليمية ودولية. كما أن المشهد الثقافي الوطني تميز، خلال السنة المنصرمة، بنقاش وسجال كان محوره «السؤال الثقافي» بالمغرب، واقعه وآفاقه، وهو ما يعتبر -حسب المتتبعين- دليلا على الحيوية التي اتسم بها الحقل الثقافي بالمغرب على الدوام. وكدليل على هذا السجال والحيوية، يمكن استحضار «الميثاق الوطني للثقافة»، الذي دعا إليه الشاعر والكاتب عبد اللطيف اللعبي، و»الحوار الثقافي» الذي طالب به الناقد والكاتب محمد برادة. ولكن، وبالرغم من ذلك، تعددت أوجه تألق وإشعاع الثقافة المغربية، إذ تمكنت من كسب رهانات أولها ضمان حضور دولي لافت، وثانيها نجاح الفاعلين، ولو نسبيا، في تنشيط الساحة الثقافية، من خلال مبادرات فردية في أحيان كثيرة، ومؤسساتية في بعض الأحيان، وذلك وعيا بأهمية الثقافة في مواكبة التحولات الاجتماعية والاقتصادية. * الثقافة والفن والإبداع.. تألق الرواد: تحضر الثقافة المغربية، على الدوام، على الصعيدين الدولي والعربي، ويكون الرواد في الصدارة بحضورهم الوازن، إذ توج المركز الثقافي الروماني في باريس، خلال السنة المنصرمة، الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي ب»الجائزة الدولية للأدب الفرانكفوني بنجامان فوندان». وفاز الكاتب الطاهر بنجلون بجائزة السلام الألمانية (إريك ماريا ريمارك)، بينما تسلم الكاتب بنسالم حميش بتولوز (جنوب-غرب فرنسا)، جائزة أكاديمية ألعاب الزهور التي تم منحها بمناسبة الذكرى ال687 لإحداث هذه المؤسسة الثقافية. عربيا، تألق الشاعر والروائي محمد الأشعري بفوز روايته «القوس والفراشة» بجائزة (البوكر) العالمية للرواية العربية في دورتها الرابعة. وفي مجال النقد، فاز المفكر والكاتب المغربي محمد مفتاح بجائزة الشيخ زايد للكتاب (فرع الآداب), عن كتاب «مفاهيم موسعة لنظرية شعرية (اللغة-الموسيقى-الحركة). وعن دراسة نقدية بعنوان «الهوية.. والسيمولاكر/عن تجربة الأنستليشن في التشكيل العربي المعاصر»، فاز الناقد التشكيلي المغربي إبراهيم الحَيْسن بالرتبة الثانية لجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي، التي تنظمها وتشرف عليها إدارة الفنون بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة. ويصعب حصر لائحة التتويجات التي حظي بها شعراء، وأدباء، ومفكرون، وفنانون، ومتخصصون في أدب الرحلة, من أمثال الشاعر محمد بنيس، والباحث عبد النبي ذاكر، وغيرهم من الكتاب. كما لا يمكن إغفال حصول المغرب على كرسي اليونسكو في مجال الفلسفة، الذي أعلن في الشهر الأخير من السنة الجارية عن إحداثه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس-أكدال بالرباط. وعلى غرار الكتابة السردية والقصصية والشعرية، تألقت الموسيقى والفن السابع الوطني وكذا التشكيل، إذ توج المركز البيوغرافي العالمي (إي.بي.سي) بمدينة كامبردج البريطانية الفنان حسن مكري بلقب رجل سنة 2011، وذلك بعد أن منح نفس الفنان لقب نائب رئيس الكونغرس العالمي للفنون والعلوم والتواصل الذي ترعاه المؤسسة البريطانية نفسها، ممثلا بذلك فناني القارة الإفريقية في هذا المنتدى. وتوجت الفنانة المغربية سميرة القادري، مغنية الأوبرا السوبرانو والباحثة في علم غنائيات البحر الأبيض المتوسط، بالجائزة الكبرى لجوائز ناجي نعمان الدولية لسنة 2011، كما منحتها الأمانة العامة لجائزة المهاجر العالمية للفكر والآداب والفنون التي تشرف عليها جريدة «المهاجر» التي تصدر عن «منظمة المهاجر الثقافية» في مدينة ملبورن في أستراليا، جائزتها لموسم 2011. * الجيل الجديد... على خطى الرواد: وعلى خطى هؤلاء سار الجيل الجديد، إذ توجت، مؤخرا، ومن بين آخرين، الكاتبة المغربية الشابة حنان والولاه بالجائزة الأولى للنسخة الرابعة (2011) للمسابقة الأدبية «بحر من الكلمات»، التي تنظمها مؤسسة آنا ليند والمعهد الأوروبي للبحر المتوسط، وذلك عن عملها الأدبي (القفل). وفاز الشاعر المغربي محمد عريج بجائزة «البردة» (الرتبة الثانية) في دورتها التاسعة (فئة الشعر الفصيح) التي تنظمها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بدولة الإمارات. وحصدت السينما الوطنية، التي حضرت حسب المتتبعين في حوالي 120 تظاهرة سينمائية دولية، جوائز مهمة سواء عبر الأشرطة القصيرة أو الطويلة. * شريط «حياة قصيرة» عنوان من عناوين تألق السينما المغربية: كانت البداية من طنجة، حيث استطاع أن ينتزع اعتراف النقاد والمهتمين بالسينما بمنحه الجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة (يناير 2011)، إنه شريط «حياة قصيرة» للمخرج الشاب عادل الفاضلي. وينطلق الشريط إلى آفاق دولية ليكون عنوانا للحضور المبهر للسينما الوطنية دوليا، فقد حصد عادل الفاضلي 10 جوائز عالمية، وبمختلف أصقاع العالم على جوائز كثيرة آخرها جائزة أفضل فيلم قصير خلال الدورة الخامسة لمهرجان وهران للفيلم العربي (22 دجنبر الجاري). ومن الجوائز التي حصل عليها، جائزة (السلحفاة الذهبية) للفيلم القصير في مهرجان الفيلم المغاربي بنابل التونسية، والسنبلة الفضية في الدورة 56 لمهرجان بلد الوليد السينمائي، والجائزة الكبرى لمهرجان «مالمو» السينمائي للأفلام العربية بالسويد واللائحة طويلة. * المهرجان الدولي للفيلم بمراكش .. عنوان آخر لتألق السينما: تميزت الدورة 11 للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش (10-2 دجنبر) بتخصيص فقرة «نبضة قلب» للسينما الوطنية، وكذا افتتاح الدورة واختتامها بأفلام مغربية. وعرضت، ضمن هذه الفقرة، أفلام «على الحافة» لليلى الكيلاني و»النهاية» لهشام العسري، و»الأندلس مونامور» لمحمد نظيف، و»عودة الإبن» لمحمد بولان. ومما يزكي الاهتمام الذي توليه هذه التظاهرة للسينما الوطنية تأكيد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان، بأن «هذا المهرجان يضطلع، سنة بعد أخرى، بدوره في المساهمة في تطوير السينما الوطنية من خلال ما تحمله في إبداعها وتنوعها من وعود وآمال، وهو بذلك ينخرط، بكل تلقائية، في مغرب اليوم المفعم بالحياة». وأضاف صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، في افتتاحية الدورة نشرت على الموقع الإلكتروني للمهرجان، «إنه ومع مطلع العقد الثاني من عمر المهرجان، أود التأكيد على أمر هام، أن تفتتح السينما المغربية الدورة الحادية عشرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش وأن تختتمها, فهذا في نظرنا لم يأت محض صدفة، بل إن مصدره هو ذلك التلاقي الجميل والمقصود بين مهرجان كبير وسينما مقتدرة تعد بالكثير». وأبرز سموه أن ولادة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش تزامنت مع ما عرفته السينما المغربية في بدايات هذا القرن من نهضة حقيقية، من هنا تبدو وثيقة تلك العلاقة التي تربط المهرجان بالإنتاج السينمائي الوطني حتى أنهما أصبحا، مع مرور الوقت، مدينين لبعضهما. * التشكيل.. ليلة الأروقة لترسيخ سياسة القرب الفني عرفت الفنون التشكيلية بالمغرب، خلال هذا العام، تطورا مهما وانتعاشا ملحوظا، حيث نظمت على مدار السنة مجموعة من المعارض الفردية والجماعية. ويعتبر حدث «ليلة الأروقة»، الذي تنظمه وزارة الثقافة كل سنة، تتويجا لمسار تشكيلي متميز، إذ تم عرض أعمال فنية ب13 مدينة مغربية أخرى وب64 رواقا. ويأمل المنظمون، كما عبر عن ذلك وزير الثقافة، السيد بنسالم حميش، أن ينفتح هذا الحدث على مدن صغرى بالمملكة، ولم لا عرض اللوحات الفنية بفضاءات مفتوحة لترسيخ سياسة القرب الفني.