الجلسة مع محمود غينيا «شيخ المعلمين الكناويين» سفر لا ينتهي عبر دروب وخبايا «تكناويت». نبضه يتسارع، بالرغم من شهرته التي طبقت بلغت الآفاق،وهو يتحدث عن الليالي الكناوية وعن ليالي الأنس والسمر الكناوية بين الأمس واليوم، كلماته ممتدة امتداد الأفق وامتداد بحر الصويرة. «أما بحر شطآنه لا نهاية لها»، يؤكد محمود غينيا، حديثه يحمل وهج الصيف بجلابيته المزركشة وطاقيته المعهودة التي يعرفه بها المغاربة بل والعالم، ألفه الصويريون على دراجته النارية يجوب شوارع موغادور، خاصة في فترات مهرجان كناوة وموسيقى العالم، ينتقل من موقع لموقع. يعطي تصريحا هنا وهناك، لا يتبرم، يلتقط صورا مع عشاقه القادمين من جميع جهات المغرب ومن نواحي المعمور. بمداد العراقة والشموخ الإفريقي، سجل اسمه في السجل العالمي لمهرجان كناوة،حاضر في كل الدورات، معتز بجذوره الإفريقية، «جدي من أمي من السينغال، وجدي من والدي من مالي»، يجد نفسه خاصة في»الليالي»، لما تحمله من طابع طقوسي «الذبيحة، والمقدمة، البخور، والحلاوة» من الصويرة نهض شامخا وطبقت شهرته الآفاق. «الصويرة بلاد تكناويت»، يقول غينيا في جلسة وهو يتأمل بحر الصويرة الذي يشبهه كثيرا، ففي الصويرة «توجد الزاوية الكناوية»، وبها نشر المعلمون الأوائل أصول الحرفة. عن محمود غينيا الطفل، وهو يخطو خطواته الأولى تجاه «تمعلميت»، يتذكر،كيف حول محفظة الكراسات إلى طبل والعلب إلى كنبري، «بالرغم من الشهرة العالمية التي منحني إياها مهرجان كناوة وموسيقى العالم، ورغم إحيائي لليلات ببلدان كثيرة إلا أنني أحن دائما إلى ليالي الصويرة» يستطرد محمود غينيا. محمود غينيا، وعلى الرغم من آثار السنون طاقة لم تخب بعد جذوتها، يستعرض من جديد وبهدوء وثقة ما تشكل بينه وبين الكنبري من تآلف «الكنبري هو تكناويت»، ثم فجأة يعود من جديد إلى سنوات الشباب التي قضاها مع والده يغوص في بحور الحرفة، والتي توجت بليلة كناوية نصب فيها محمود «معلما» بعد امتحانات وطقوس عسيرة. تكناويت قدر محمود غينيا، عندما يؤدي مقطعا من المقاطع يغيب عن الوجود، ويحرق المسافات بينه وبين عشاقه، تسبح روحه في ملكوته الخاص ويحمل معه مستمعيه فوق السحب، فتكناويت «شفاء أيضا، ولطالما تداوى بها العديد من الأشخاص». يردد دائما أن تكناويت، وإن سلكت مسالك العالمية ومزجت بأنواع موسيقية أخرى، فهذا «يزيد من مسؤوليتنا كمعلمين»، وهذا أمر طبيعي، أن تبحث تكناويت عن آفاق رحبة أكثر، يؤكد شيخ المعلمين. وعن معرفته بتكناويت في بلدان الجوار، قال محمود غينيا إنها محدودة «حوالي عشرين مقطعا» بينما تكناويت بالمغرب أرحب وأوسع. لم يقطع حبل الود والعلاقة الطيبة أبدا مع الجيل الكناوي الجديد، لا يبخل بكل ما يعرفه وما نهله من المنبع، يدرك تمام الإدراك أن تكوين الخلف «واجب» وقد سار بعض من مريديه وأبنائه مسلكه، ليبقى محمود بذلك رقما أساسيا في المعادلة الكناوية الصويرية والمغربية.