تحول خبر اعتقال سيف الإسلام، نجل العقيد الراحل معمر القذافي، إلى أحدث تطور في سلسلة انهيار أركان النظام الليبي السابق ومقتل رموزه أو وقوعهم في قبضة قوات المجلس الانتقالي، ولكن العنصر الحاسم بنظر البعض في هذا التطور يتمثل بأن انتهاء مطاردة سيف الإسلام تعني فعلياً القضاء على أحلام أنصاره بعودة أسرته إلى السلطة مجدداً. فقد كان ينظر إلى سيف الإسلام على أنه الوريث المحتمل لسلطة والده الراحل، ورغم أنه -على غرار والده- لم يتمتع بمناصب رسمية، إلا أنه كان أحد أبرز صناع القرار في البلاد. وقد ولد سيف الإسلام عام 1972، وهو الابن الثاني للعقيد معمر القذافي من زوجته الثانية صفية فركش، وقد كان في السنوات الأخيرة يُقدّم على أنه زعيم لتيار إصلاحي يرغب في وضع أسس لمؤسسات رسمية وتعزيز الانفتاح الاقتصادي وحقوق الإنسان والديمقراطية ولكن سيف الإسلام صدم الذين راهنوا عليه لإحداث تغيير في النظام عندما قام في الأيام الأولى للثورة على والده بإلقاء خطاب عبر التلفزيون الرسمي، عرض فيه إجراء بعض الإصلاحات، ولكنه هدد بالمقابل بتسليح الشعب وتحويل الصراع إلى حرب أهلية تنقسم بعدها البلاد. وتطور دور القذافي الابن بعد ذلك ليصبح المدافع الأول عن نظام والده، وظهر في العديد من المقابلات مع وسائل الإعلام الغربية، كما اتهمته محكمة الجنايات الدولية بالتورط المباشر في القمع الدموي لخصوم والده، ما مهد لإصدار مذكرة توقيف دولية بحقه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وكان سيف الإسلام قد أسس عام 1998 «مؤسسة القذافي العالمية»، التي لعبت دوراً كبيراً في إجراء «حوارات» مع موقوفين إسلاميين وإطلاقهم من السجن في ليبيا، كما كان من بين أبرز مستقبلي عبد الباسط المقرحي، المتهم الرئيسي في قضية تفجير طائرة لوكربي، لدى عودته إلى طرابلس. وسيف الإسلام القذافي يتحدث الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، وقد حصل على شهادة الدكتوراة من كلية لندن للاقتصاد، كما أنه يكتب بصورة مستمرة لصحيفة نيويورك تايمز، وقام بإجراء مباحثات مع عدد من المسؤولين الدوليين. وقد أدت شهادة الدكتوراة البريطانية التي نالها سيف الإسلام إلى الإطاحة بالسير هاورد ديفيس، مدير كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية LSE، الذي استقال من منصبه في مارس الماضي بسبب الجدل حول قبوله لتبرعات من سيف الإسلام، قبل نيله الشهادة من الجامعة. وبينما يفضل القذافي الأب ارتداء الملابس الغريبة، واستقبال زعماء العالم داخل خيمته، يقبل القذافي الابن على ارتداء الملابس الغربية الرائجة، كما أنه يرأس مؤسسة القذافي الخيرية، ولطالما روج لنفسه كناشط في مجال حقوق الإنسان، وطالب بالتغيير والإصلاح في ليبيا. وقد سبق لقوات المجلس الوطني الانتقالي أن أعلنت اعتقال سيف الإسلام عدة مرات في السابق، خاصة في 23 أغسطس/آب الماضي بعد اقتحام العاصمة طرابلس، إذ قيل إنه بات في قبضة الثوار، قبل أن يعود ليظهر في موكب مسلح أمام الصحفيين الأجانب في فندق «ريكزوس.» وكان أنصار النظام الليبي السابق يراهنون على إمكانية تحول سيف الإسلام إلى عنصر أساسي في مشروع مضاد لحكم المجلس الانتقالي، خاصة بعد مقتل والده، وإخوته المعتصم وخميس وسيف العرب. إلى ذلك، تعهدت طرابلس بمحاكمة عادلة في ليبيا لسيف الإسلام القذافي الذي اعتقل في جنوب البلاد ونقل إلى الزنتان، والذي قالت المحكمة الجنائية الدولية إنها تريد تسلمه لكنها لم تستبعد أن يُحاكم في ليبيا وفق التهم ذاتها التي وردت في مذكرة الاعتقال الصادرة ضده قبل شهور. واعتقل سيف (39 عاما) قرب مدينة أوباري (170 كلم تقريبا جنوب غرب مدينة سبها) مع أربعة من مرافقيه بينهم أحد أبناء رئيس المخابرات الفار عبد الله السنوسي، بينما كانوا يحاولون تهريبه إلى النيجر، وفقا لمسؤولين في المجلس الوطني الانتقالي. وتم ذلك في عملية نفذتها سرية خالد بن الوليد التابعة لكتيبة أبي بكر الصديق التي تخضع بدورها للمجلس العسكري لمدنية الزنتان، وسبقها رصد استمر أياما وفق ما قاله عضو المجلس الانتقالي موسى الكوني للجزيرة. ونقل سيف الإسلام في طائرة مروحية من مطار أوباري إلى الزنتان حيث حاول مواطنون اقتحام الطائرة التي كانت تقله إلا أنهم مُنعوا من ذلك، ونقل الأسير لاحقا إلى مكان غير معروف لضمان سلامته. وظهر سيف الإسلام في صور ثابتة، ثم في تسجيل مصور بثته مواقع ليبية معافى إلا من إصابات في ثلاث من أصابع يده اليمنى. وقال نجل العقيد القذافي لرويترز في المروحية التي نقلته للزنتان إن تلك الجروح نتيجة غارة جوية تعرض لها موكبه قبل نحو شهر، وأكد أنه بخير. وتعهد رئيس الوزراء الليبي المكلف عبد الرحمن الكيب مساء اليوم بأن يحاكم سيف الإسلام ومن معه محاكمة عادلة في ليبيا. وقال عبد الرحمن -في مؤتمر صحفي بالزنتان- إن المحاكمة ستُضمن فيها جميع الحقوق وفقا للأعراف الدولية، وعبر عن أمله في أن تبدأ بعد اعتقال نجل القذافي مرحلة بناء دولة القانون والعدالة. وفي المؤتمر الصحفي ذاته تعهد رئيس المجلس العسكري للزنتان أسامة الجويلي بمعاملة سيف الإسلام بأخلاق الإسلام. وقال الجويلي إن الثوار لن يسيئوا مطلقا إليه. وقبل هذا كان مسؤول ملف العدل في المجلس الانتقالي محمد العلاقي قد تعهد بمحاكمة عادلة لسيف الإسلام داخل ليبيا، ولم يستبعد أن يصدر عليه حكم بالإعدام بسبب الجرائم المنسوبة إليه من تحريض على القتل وجلب للمرتزقة ونهب للمال للعام. وأشار العلاقي في الوقت ذاته إلى اتصالات مع المحكمة الجنائية لتحديد مكان محاكمته. وبشكل متزامن تقريبا، قال مسؤول ملف الإعلام في المجلس الانتقالي محمود شمام إن سيف الإسلام سيحاكم في ليبيا على جرائمه. وقد أعلنت المحكمة الجنائية اليوم أن كبير مدعيها العامين لويس مورينو أوكامبو سيزور ليبيا الأسبوع المقبل لمناقشة مسألة مثول سيف الإسلام أمام العدالة. وقال أوكامبو -في تصريحات له اليوم- «أنا ذاهب إلى ليبيا. سيف الإسلام سيمثل أمام العدالة..، أين؟ وكيف؟، ذلك هو ما سنناقشه». وفي لاهاي قال المتحدث باسم المحكمة الجنائية فادي العبد الله إن ليبيا ملزمة بمقتضى قرارات الأممالمتحدة بتسليم سيف الإسلام. لكن العبد الله قال إن على السلطات الليبية إذا أرادت أن تتم محاكمته داخل ليبيا وفق نفس التهم الواردة في مذكرة اعتقاله أن تتقدم إلى لاهاي بطلب ذلك. وكانت صدرت في حق سيف الإسلام ووالده العقيد الراحل معمر القذافي وعبد الله السنوسي مذكرات اعتقال من المحكمة الدولية الصيف الماضي. وقد حثت دول غربية بينها فرنسا السلطات الليبية ومنظمات دولية على التعاون مع المحكمة الجنائية في ما يخص محاكمة سيف الإسلام القذافي. فقد قالت الخارجية الفرنسية إن على المجلس الانتقالي الليبي التعاون تماما مع المحكمة الدولية لضمان محاكمة عادلة له. من جهتها دعت منظمة العفو الدولية المجلس إلى تسليم نجل القذافي للمحكمة الجنائية، وحملته مسؤولية سلامته. وفي الوقت نفسه حث الاتحاد الأوروبي السلطات الليبية على ضمان تقديم سيف الإسلام للعدالة بالتعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية. كما طالب رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون ليبيا بمحاكمة عادلة لسيف الإسلام وفق المعايير الدولية، وقال إن بلاده ستقدم كل مساعدة للحكومة الليبية وللمحكمة الجنائية لتقديمه ليواجه محاسبة كاملة وعادلة عما اقترفه. وبينما قال حلف شمال الأطلسي إنه واثق من أن سيف الإسلام سيلقى محاكمة عادلة, طالبت الولاياتالمتحدة بمعاملته بصورة إنسانية, وبمحاكمته بصورة عادلة.