التدبير العام لملف إضرابات المدرسات والمدرسين على خلفية النظام الأساسي يجسد بشكل فاضح الارتباك الحكومي وانعدام الحس السياسي لقضايا البلاد ومصلحة الناس، والإمعان في تضييع الوقت. منذ انطلاق التوتر، ناشد الكثيرون الحكومة أن تعلن تجميد النظام الأساسي، الذي جرى إقراره رسميا، وأن تواصل الحوار مع الأطراف النقابية والمهنية المعنية، وأن تحرص على تفادي الشلل المدرسي، لكنها صمت كل الآذان، وبقيت تتفرج على حرمان عشرات الآلاف من أطفال وشباب شعبنا من التمدرس، وها هي اليوم تخرج أمام المغاربة لتقول بأنها اتفقت على تجميد العمل بنظامها الأساسي وأوقفت الاقتطاعات على خلفية الإضراب، وأنها ستنخرط في الحوار...( كذا) ولماذا إذن لم تكن لدى الحكومة المبادرة منذ البداية والقيام بما تعلنه اليوم وتجنيب أسر التلاميذ كامل ما يعانونه من محنة وقلق على مستقبل فلذات أكبادهم؟ العقلاء منذ البداية يفهمون الحوار مع النقابات كونه وسيلة لبلورة توافقات منتجة وتفادي وقف الدراسة، وليس غاية في حد ذاته. عندما تخرج الحكومة اليوم منتشية بما تحقق أول أمس خلال اجتماعها مع النقابات، ألا تعرف أن مسؤوليتها تبدأ الآن؟ عليها أن تشرح معنى «التجويد» الموعود بشأن النظام الأساسي، وماذا يعني «التجميد» المعلن عنه، وضمانات ذلك ودلالاته، وكيف ستعمل على تحسين الظروف المادية والاجتماعية لمختلف فئات الشغيلة التعليمية؟ وعلاقة ذلك بالاتفاقات الاجتماعية التي سبق أن أبرمت من قبل ولم تطبق؟ وهل لن يتحول ما تم الإعلان عنه أول أمس إلى دوامة أخرى لن تنتهي، وإلى سلسلة اجتماعات وحوارات بلا أفق؟ هذا الملف الكبير والحساس كشف عن ارتباك حكومي واضح فعلا، ذلك أن الحكومة استهانت منذ البداية به وبتحدياته، وحتى وضعيته ضمن الهندسة الحكومية طرحت أكثر من استغراب، ولما توترت أجواء القطاع وانطلق الإضراب، تركت الحكومة وزيرها وحيدا يحاول الانفلات من المأزق بلا جدوى أو قدرات، وغابت السياسة وبعد النظر عن حكومة «الكفاءات». الجميع يدرك حجم ما يعانيه قطاع التعليم من اختلالات ومعضلات، وكثيرة هي التشخيصات التي تمت من قبل وهي متوفرة، والكل يتفق على ضرورة تطوير ظروف الموارد البشرية وتقوية تأهيلها المهني، وتمتين ثقتها في عملها وفي المستقبل، وهذا كان يعني، ولا يزال، أن تحضى قضية التعليم بالأولوية في برنامج ومخططات وعقل الحكومة، وتبعا لذلك، تعلن عن مبادرات قوية ودالة، وعن إجراءات عملية لكي تعود للتعليم العمومي ثقة المجتمع والأسر، وخاصة ثقة العاملين به، وأن يطمئن هؤلاء على مستقبلهم ويحسون بالأمان الوظيفي والاجتماعي. هذه المبادرات القوية المطلوبة تفرضها المشكلات وحجم الخصاص المتفشي، كما أن من يبني حملته الانتخابية على وعد شعبوي بزيادة 2500 درهم في رواتب المدرسين، ويكون مستعدا لتلقي (التشيار بالحجر) في حال عدم الوفاء بذلك، يجب أن يتحمل مسؤولية مزايداته اليوم، ويوفر هذه الزيادة الموعودة، وأن يستحضر أيضا ما تسبب فيه من غلاء معيشي وتضخم، لا بد من أخذه بعين الاعتبار عند الحديث عن ظروف الأسرة التعليمية ومطالبها المادية والاجتماعية. لا نقول هذا من باب الضغط على الجرح أو من نوافذ المزايدات، ولكن من باب التأكيد على أن السياسة مسؤولية وليست تلويحا بأي كلام، وأن الكفاءة هي التي تنفع في تفادي التوترات، وفي تجنيب بلادنا وشعبنا كل هذا الشلل المدرسي الذي ستكون له تداعيات سلبية في المستقبل بلا شك. وعلاوة على الافتقار إلى الحس والذكاء السياسيين، وعدم تقدير المخاطر وحجم حساسية ودقة الملفات والقضايا، فإن حكومتنا بقيت، حتى في هذا الملف المعقد، وفية لصمتها، ولضعف تواصلها وحضورها الإعلامي والسياسي والميداني، ولم تسع للتخفيف من حدة التوتر، وحتى وزيرها في القطاع ترك وحيدا بلا أي مقومات مواجهة او فعل. في كل الأحوال، نأمل أن تنجح الحكومة أخيرا في تدبير هذا الملف وإخراج تعليمنا العمومي من تبعات هذا التوتر الذي طال أكثر من اللازم، وذلك لأن الأمر يرتبط بحقوق ومصلحة الملايين من أبناء شعبنا، وبصورة مدرستنا العمومية ومستقبل بلادنا. محتات الرقاص