يخلد حزب التقدم والاشتراكية هذه السنة الذكرى الثمانين لتأسيسه، وأعلنت الدورة الأخيرة للجنته المركزية انطلاق برنامج الاحتفال بهذه المحطة البارزة، كما أصدرت، في ختام أشغالها، تصريحا سياسيا تحت شعار: (ثمانون سنة من النضال من أجل غد أفضل). في هذا التصريح، أعاد الحزب التذكير بمقومات هويته، واستعرض مواقفه المؤسسة والمحددات المبدئية لأطروحته الفكرية والسياسية والبرنامجية، ولفت إلى استمراره الدائم داخل الانشغال الوطني، وضمن الأفق الحاضن لتطلعات بلادنا وانتظارات شعبنا، وفي صف الانتماء إلى قوى اليسار والتقدم والحداثة والمساواة. في عامه الثمانين، تذكر الحزب رواده وقيدوميه ومؤسسيه ومناضلي السنوات الأولى والمراحل التاريخية الصعبة، استحضر الأسماء والصفات والسير والتواريخ والعطاءات، احتفى بالذين حملوا الحزب بين ضلوعهم وحموه في ظروف لم تكن دائما مريحة لهم… وبفضل كفاحهم الصعب وتضحياتهم تقدم الحزب وتطورت مكانته في المشهد السياسي الوطني، وذلك على عكس تنظيمات وقوى أخرى تشبهه في بلدان عربية أخرى. لما ولد الحزب، قبل ثمانين سنة، كان ذلك حدثا مختلفا عن المألوف، ومثلت أفكاره ومطالبه جديدا غير مسبوق، وعديد قضايا إن كانت تبدو بديهية وعادية اليوم، فهي لم تكن كذلك في ذلك الزمن. ونذكر فقط الكلام عن حقوق المرأة مثلا، وعن تخليد يوم ثامن مارس، وعن تنظيم الطبقة العاملة والاحتفاء بفاتح ماي والعمل النقابي للمغاربة… لقد تميز الحزب منذ تلك المراحل الأولى، وعلى مدار عمره الثمانيني، بقوة اجتهاداته الفكرية والتحليلية، وبواقعيته وعقلانيته، وبوفائه لمبادئه وقيمه، وبإصراره على استقلالية قراره التنظيمي والسياسي، وعلى تميزه في رصانة التحليل ومقاربته الملموسة للواقع الملموس، وكذلك في الأشكال النضالية وصلاته بالواقع المحلي لشعبنا. المسار التاريخي العام لحزب مثل حزب التقدم والاشتراكية يجب تقييمه أيضا ضمن سياقات تجارب حزبية تشبهه نشأة وتطورا وظروفا في عدد من البلدان العربية والإفريقية، وفي حين اندثرت كثير من هذه التجارب والأحزاب ولم يعد لها وجود أصلا منذ سنوات، بقي التقدم والاشتراكية مستمرا ومواصلا لنضاله الوطني، لأنه نجح في مقاربة الواقع وتحليل أسسه، كما توفق في صياغة مداخل عمل وأجوبة لتحدياته، ومن ثم وضع اختياراته الكبرى وسار عليها إلى اليوم. وبقدر ما أن مرور ثمانية عقود على الميلاد يعتبر مناسبة احتفالية تبعث على الاعتزاز والفخر بمثل هذه المسيرة النضالية والوطنية الطويلة، فإن الحزب اختار في لجنته المركزية الأخيرة إفراد مساحة للاحتفال والانتشاء، ومساحة أخرى أيضا للتأمل وتحليل النجاحات وتجليات النقص في آن واحد، وللتمعن في واقع مغرب اليوم وظروف العالم المعاصر، وما يفرضه كل ذلك من تحديات ومهام، علاوة على الوقوف مع الذات الحزبية، فرديا وجماعيا، لتقييم التجارب، وللتعلم من دروس الماضي وتحولات الحاضر معا، ومن ثم التقدم نحو بناء المستقبل. يدرك الحزب أنه يخلد اليوم عامه الثمانين وسط سياق سياسي ومجتمعي عام يتسم بالكثير من التراجعات والصعاب، ووسط استهدافات متنوعة للسياسة وللفعل النضالي المنظم والرصين، لكنه يدرك كذلك، وبقوة، أن مصلحة البلاد ومستقبلها هما في استعادة العمل السياسي والحزبي لنبله، وفي تعزيز النفس الديموقراطي والتعددي العام في البلاد، وأن مهام الإصلاح والتحديث في حاجة إلى قوى سياسية جادة وذات مصداقية، وتمتلك التاريخ والمعرفة ووضوح الرؤى والغيرة على البلاد. وبفضل هذه القناعة الوطنية العميقة والراسخة بقي التقدم والاشتراكية مستمرا طيلة ثمانين سنة، وثابتا على خطه المبدئي، وعلى تميزه الفكري والنضالي والسلوكي والسياسي. كثير وقائع وتراجعات وتحديات تلف بلادنا في السنوات الأخيرة تؤكد أن المغرب في حاجة إلى أحزاب حقيقية وجادة وذات تاريخ ومصداقية، وتمتلك قرارها المستقل، وتقدر على منح الحياة للحوار السياسي والمجتمعي العمومي، وعلى الحضور الميداني لتعبئة الناس وتأطيرهم والتواصل معهم والنضال إلى جانبهم ومعهم. حزب التقدم والاشتراكية يحتفل هذه السنة بالعام الثمانين عن الميلاد، أي أنه لم يقطر به سقف السياسة يوم أمس أو أول أمس، ولكنه أحد العناوين الأساسية والمؤسسة للعمل السياسي والنضالي الوطني ببلادنا. محتات الرقاص