أبانت فاجعة زلزال الحوز عن علو كعب المغاربة في إبداع أشكال مبتكرة من التضامن، في مشهد ملحمي جعل العالم يصفق لشعب أثبت أنه قادر على أن يتحدى الجبال بإرادته وتلاحمه كالجسد الواحد، مما حدا بسائحة أمريكية أوجدتها الأقدار في المنطقة عند وقوع الزلزال تصف رد الفعل التضامني السريع والتلقائي مباشرة غداة وقوع الكارثة بأنه دليل على أن "المغاربة شعب لا يمكن أن يهزم". وبالفعل فإن هول الفاجعة والطبيعة الجغرافية المستعصية للمنطقة، لم تثن المغاربة بجميع فئاتهم عن الإسراع لنجدة أهالينا في جبال الأطلس، بل أبدعوا في إمداد المساعدات كما وكيفا، كل على حسب استطاعته وكفاءته، لم يتخلف منهم شيب أو شباب أو أطفال، ولم يستثن منهم محتاج أو فقير أو شخص ذي احتياجات خاصة، الجميع كان في الموعد، فرادى وجماعات، أشخاصا ذاتيين ومؤسسات، هيئات مهنية وشركات خاصة.. وتوج كل ذلك بالزيارة الملكية إلى مناطق الزلزال، واطمئنان جلالة الملك على المصابين، ثم مبادرة جلالته إلى إطلاق برنامج استعجالي لإغاثة المنكوبين وتعويضهم والشروع في عملية إعادة الإعمار والتأهيل.. إنه تلاحم المغاربة قيادة وشعبا من أجل تحويل نقمة الزلزال ورائحة الموت تحت الأنقاض إلى نعمة وبذرة إنماء ورياح نهضة غير مسبوقة تهب على أرض الحوز وجبال الأطلس. يؤكد المغرب اليوم، قدرته الهائلة على الصمود والمواجهة في أوقات الشدة، بروح وطنية برزت بوضوح خلال أزمة كورونا وزاد ألقها مع زلزال الحوز. حيث ما فتئت الأزمة تظهر ليس فقط المعدن الأصيل للمغاربة بل أيضا قوة وتنوع كفاءاتنا الوطنية في جميع المجالات، واستعدادها لخدمة بلادها بكل إخلاص وتفان، وهو ما يؤكد أن الثروة الحقيقية لهذا الوطن، فضلا عن المميزات الأخرى التي حباه الخالق بها، هي ثروته البشرية.. هي مبادرات وإبداعات شبابه، وكفاءة رجاله ونسائه. ثروة زاخرة في حاجة إلا مزيد من العناية والتحفيز والتأطير والتوجيه، لتظهر أفضل ما يمكن أن تحققه بلادنا من تقدم ونماء. قد يجدر أيضا التفكير في استثمار الهبة التضامنية التي ولدتها فاجعة الحوز في نفس الاتجاه، بما يجعل روحها وثمارها تمتد في الزمن وفي الأثر، وذلك من خلال إيجاد أدوات للتنسيق بروح وطنية جماعية من أجل تأطير هاته الثقافة التطوعية التي أضحت بمثابة تراث وطني لا مادي يجب الحفاظ عليه وتثمينه بكل الوسائل، سواء عبر برامج عمل تشاركية مع النسيج الجمعوي الفاعل في الميدان على مدار السنة، أو تعزيز عمل المؤسسات والهيئات المهنية والمدنية، وكذا تأطير وتنظيم مبادرات الأشخاص الذاتيين بجميع اهتماماتهم. إن الصندوق الذي أحدثه المغرب في زمن كورونا، كأداة لتكريس التضامن الوطني في مواجهة الجائحة، وكذا الحساب الوطني الخاص الذي أنشاه اليوم لجمع التبرعات لفائدة ضحايا زلزال الحور، يعدان بدورهما توجها مبتكرا في السياسات العمومية في مواجهة الأزمات والكوارث، ويمكن أن يتخذ ذلك شكلا مؤسساتيا يحظى بدعم جميع الفئات ضمن صندوق وطني دائم للتضامن، كمؤسسة عمومية يتم تسييرها وتدبيرها من قبل كفاءات وطنية مشهود لها بالخبرة والنزاهة، ويتم عرض حساباته وحصيلته بصفة سنوية، وتعريف المواطنين بمداخيله وأوجه صرفها بكل شفافية، بحيث تخصص هاته المداخيل لمواجهة حالات الطواريء والأزمات، ويتم استثمارها كذلك في دعم السياسات الوطنية الموجهة لمحاربة الهشاشة والعوز في صفوف الفئات المحتاجة، ومشاريع التنمية والتأهيل في المناطق النائية. وأقول هنا دعم السياسات العمومية وليس الحلول محلها، لأنه إن كان من درس آخر يمكن استخلاصه من زلزال الحوز فبالتأكيد سيكون تلك الصحوة التي يفترض أن يكون قد عاشها مسؤولونا الحكوميون والمحليون غداة الزلزال، والتي من شأنها أن ترفع الوعي وتقوي العزم على ضرورة الانخراط الجماعي في هذه المسيرة التضامنية الوطنية لأن الوطن مازال في حاجة إلى جهاد أكبر، مسيرة لا يمكن أن يتخلف عنها إلا من كان مارقا جاحدا للوطن.