أول ما تبادر إلى بالي والأرض تهتز، هنا أمي ووالدي رحمهما الله، وهما من كانا يلحان علينا عند ظهور غرة شهر «صفر» ترديد أدعية غير التي يتم ترديدها عند بزوغ أهلة باقي الشهور العربية. كنا نسأل في قرارة النفس عن السر في هذا التوجيه؟ وقد أدركنا الجواب متفرقا، ذلك أن إجاباتهما مستندة على كيمياء عيشهما في أحضان الموروث المغربي الأصيل . وألان ترى كيف كانت الإجابات؟ الجواب يكمن في: شهر "صفر" ارتبط في الذاكرة كشهر مشؤوم، منذ "جاهلية العرب" حيث تشهد أشعارهم على هذا، كما ذهب بعض اللغويين القدامى إلى القول إن اسم "صفر" يحمل معنى اللاشيء والعدم (أي صفر بكسر الصاد)، وقيل كذلك "من الاصفرار الذي يسود الطبيعة ووجوه الناس"، و قد امتد هذا "الوشم الصفري" عند البعض إلى يوم الناس هذا. ومبرر هذا هو ما تم من فرط "الأهوال الضاربة، واحيانا غير المألوفة" التي عاشها الناس في عدد من شهور "صفر"،. وكم كان الوالد والأم – أسكنهما الله فسيح الفردوس – يعززان هذا الانطباع، بقول المغاربة عند كل هول: "إنها ساعة ناقصة من ساعات صفر...". وفي سلا – حسب قولهما، وحسب بعض ما عشناه – يستقبل السلاويون غرة هذا الشهر بتنظيم جلسات للذكر والمديح، وأساسا في بعض زوايا وأضرحة "رجال الله" حيث حلقات للرجال وأخرى للنساء.. وقد كانت هاته الحلقات "الصفرية" تمتد بتلقائية لتتحول من "طلب اللطف"، إلى رحاب "البهجة الربيعية" بمناسبة شهر "الربيع الأول"، شهر المولد النبوي الشريف، الذي تخصه سلا بابتهاجها المتفرد "موكب الشموع ". ولنا أن نستخلص من هذا الانتقال مدى الطاقة الإيجابية لبعض السلاويين حين صنعوا التحول البهي من "الخوف إلى السكينة"، ومن "الساعة الناقصة" إلى "الأيام الكاملة المتكاملة" بأنوار "شموع سلا"، وهي شموع احتضنتها سلا بحس مديني خلاق تخلى عن تقديم القرابين ل "رجال الله"، فكانت الزخارف والألوان والإيقاعات والأنغام هي البديل . وإنه لمن باب السماء فوقنا أن نقول إن الهزة الأرضية هي حصيلة تفاعلات جيولوجية، وقد تحدث هنا وهناك، وفي أي لحظة، وهذا المنطق العلمي القاطع لا يؤمن ولن يؤمن ب "ساعة ناقصة" أو بأخرى "زايدة"، وهذا مالا جدال فيه. لكن هل يمنع هذا الحسم العلمي من انزياح الذاكرة في اتجاه الموروث الشعبي الذي صنع منظومة من التفاعل الوجداني مع الوقائع وفي مقدمتها "ساعة صفر الناقصة"؟ . الخلد للأم وللوالد في الفردوس، وقد تعلمنا منهما بتلقائية ودون تكلف أن الحياة قد لا تستقيم أحيانا دون "زواج" – ولو عابر – بين العلم والوجدان . المغفرة والرحمة لشهداء الرجة، والشفاء والعافية للمصابين، وجميل الصبر والسلوان لكل مكلوم مفجوع. مدينة سلا يوم السبت 24 صفر 1445/ 9 شتنبر 2023. بقلم: عبد المجيد فنيش *