هل ندمر الواحات بأيدينا، أم هو جور الطبيعة وقساوة المناخ؟ حرائق الواحات بالمغرب هل هو عامل مناخي أم بشري؟ أسئلة تتناسل كل موسم صيفي، وتبعا لكل اندلاع حريق هنا وهناك. باتت حرائق الواحات والغابات سنة واجبة كل عام بالمغرب، يستشري لهيبها في مناطق جغرافية بعينها، لتخلف خسائر مهولة تجهز على كل الآمال والآفاق الواعدة في رفع نسبة الإنتاج الوطني من التمور، وتطوير مجال الواحات الوطنية الوارف واستدامة نظمها البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وتثمين تراثها المادي واللامادي بعقلانية وابتكار. الحرائق تقود، بالضرورة، إلى توقف اضطراري، للملمة الجراح، مما سيبطئ مسيرة استدامة الواحات المبرمجة. وسيؤثر سلبا، لا محالة، على البعدين الاقتصادي والاجتماعي لتتلوهما انعكاسات سلبية في مجالات أخرى وبالمنظومة البيئية والصحية عامة. معضلة الحرائق باتت كابوسا مؤرقا مع كل موسم صيف بل بجل المواسم، تجهض أو بالأحرى تؤجل كل البرامج والاستراتيجيات لتدبير المجال الواحي باستدامة، إلى حين تعافيها وترميم ندوبها. أين الخلل إذن؟ كل الإمكانيات معبئة، ومختلف المساعي جلية وجل الممارسات الرسمية واعية. الحرائق المسجلة كل سنة تربك مختلف الاستراتيجيات التي تنشد تحقيق تنمية مجالية مستدامة. هل هو عامل مناخي أقوى من كل الاستعدادات وسبل المواجهة المعتمدة من قبل الجهات الوصية والمعنية؟ خصوصا أمام استحضار السياق الدولي المتمثل في تفشي الحرائق في عموم دول العالم. ففي 19 غشت الماضي استعرت الحرائق بجزر الكناري. تأججت بفعل الرياح القوية والحرارة العالية لتجهز على ما يناهز 5 آلاف هكتار من غابة "تينيريفي"، فضلا عن حرائق كندا التي ناهزت ألف حريق، من شرقها إلى غربها، في يوم الجمعة الأسود (18 غشت 2023) . سياق دولي، هو إذن، يؤكد فرضية انعكاسات تغير المناخ. وتبعات الاحترار العالمي. وفي المغرب بزع في أوج تجلياته خلال ارتفاع درجة الحرارة إلى درجة قياسية تجاوزت 50 درجة، حيث شهدت مدينة أكادير يوم 11 غشت 2023، حدثا مناخيا وطنيا متطرفا. ودخل المغرب تاريخ أعلى درجة حرارية بتسجيل، لأول مرة، رقم قياسي بلغ نحو 50.4 درجة مئوية. ومن المرجح أن هذا الاستثناء المناخي يوعز إلى تأثير تغير المناخ، رغم أن هناك من يعتبر أن الظاهرة ما هي إلا دورة مناخية عادية. لا مراء أن تأثير تغير المناخ طال معظم الدول من ضمنها المغرب. ومختلف الظواهر المناخية القصوى التي تبدو هنا وهناك، مع موجات الحرارة الشديدة هي تذكير لذوي القرار بوجوب اعتماد سياسات عمومية تروم إيجاد سبل التكيف مع تغير المناخ. وتأهيل المناطق الهشة للتكيف مع مثل هذه الحرارة المتطرفة، خصوصا في مجال القطاع الزراعي والواحات. لكن لا يجب أن نجعل من الظاهرة المناخية مشجبا نعلق عليها تقاعسنا. هل هو خلل في تصميم برنامج وقائي في مستوى خطورة الظاهرة؟ هل هو عامل بشري لا ترعبه التداعيات القاسية وهول الموقف والخسائر؟ لم تسلم الجهات الأربع للواحات المغربية الممتدة بكل من جهة درعة تافيلالت، جهة سوس ماسة، جهة كلميم واد نون، جهة الشرق.. والتي تغطي مساحة أزيد من 583 226 كيلومتر مربع، وتغطي ما يقرب من 32 في المائة من التراب الوطني، وتأوي تقريبا 2 مليون نسمة. حيث فقد المغرب أكثر من 3 ملايين شجرة نخيل بسبب الجفاف واستشراء الآفات والضغوط البشرية المستمرة وتغير المناخ. اتفاقية شراكة مع وقف التنفيذ تصدرت منطقة الراشيدية باقي الأقاليم من حيث عدد الحرائق، حسب إحصائيات رسمية، حيث بلغت ما يناهز 928 حريقا منذ سنة 2009، في حين بلغ عدد الحرائق بإقليم طاطا 187 حريقا متصدرا حجم الخسائر بما يقرب 57749 من النخيل المحترق، وذلك وفق إحصائيات الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات والأركان، وهذا دون احتساب حرائق موسم الصيف الحالي.. والحرائق الصغرى غير المعلنة والتي لم يدرجها الإحصاء. وسبق أن استبشرت ساكنة إقليم طاطا سنة 2022 بعقد مجلس جهة سوس ماسة اتفاقية شراكة للحماية من الحرائق وتهيئة وتأهيل واحات طاطا بغلاف مالي تشاركي يتجاوز 112 مليون درهما. ساهم فيه كل الأطراف المعنية والمتدخلة من قبيل وزارة الداخلية ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وعمالة طاطا، والمجلس الإقليمي لطاطا، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، والمديرية الجهوية للاستشارة الفلاحية لسوس ماسة، والقيادة الجهوية للوقاية المدنية لجهة سوس. لكن الاتفاقية لم تبرح مكانها وبقيت حبرا على ورق. رغم أنه تمت المصادقة عليها في الدورة العادية للمجلس في أكتوبر 2022. وقد حدد، في المادة الثانية من الاتفاقية، أجل أقصاه 30 يوما لانطلاق تنفيذ اتفاقية الشراكة، ابتداء من تاريخ التأشير على الاتفاقية المشتركة. ورسمت أهداف مشتركة دقيقة مع مكونات مفصلة للمشروع. أكيد أنها ستساهم بفعالية في مواجهة معضلة نشوب أي حريق على حين غرة، وتخفيف وطأته إن لم تمنعه. وبذلك ستحول مختلف الإجراءات الاحترازية دون انتعاش المسببات الرئيسية لاندلاع الحرائق. ماذا وقع؟ وما الذي يمنع مجلس جهة سوس ماسة من تفعيل الاتفاقية والإسراع لتنزيل مراميها في الميدان وبحقول واحات إقليم طاطا المتضررة، واستباق وقوع حريقي منطقتي "أديس" و"تيزكي ايرغن" اللذين اندلع لهيبهما مع بداية شهر غشت الماضي، إذ يبعدان عن مركز طاطا على التوالي ب 14 كيلومتر و70 كيلومتر. وقد سبقهما حريق منطقة "إمغي" في شهر مارس من هذه السنة وبنفس الإقليم بمنطقة «أكادير لهنا» حيث خلف إتلاف مئات أشجار النخيل وعدة مزروعات وأشجار مثمرة. هذا دون الحديث عن حرائق سنة 2022 بنفس المنطقة. أين الخلل إذن؟ هل المشكل مالي أم تدبيري في تخلف بعض أو كل شركاء الاتفاقية عن ركب الالتزام ببنودها وإبطاء تنزيل مراميها؟ هي أسئلة ليست استفهامية بل استنكارية تطفو على السطح وتتناقلها ساكنة واحات منطقة "طاطا". يجب تشخيص الداء لإيجاد الحلول المثلى والإسراع بالمساعي التصحيحية بعدما أضعنا فرصة تنفيذ الاحترازات الاستباقية، وعدم الإسراع بتطبيق فحوى الشراكة الموقعة لفائدة ساكنة واحات منطقة طاطا الفيحاء، ثم إيجاد وسيلة أو منصة توفر انسيابية التواصل. وتناسق والتقائية ناجعة بين الأطراف المتداخلة في مجال سياستها العمومية التنموية. كي تبلغ نجاعة التدخلات وطنيا ومحليا. يشار أن لجنة مشكلة من مجلس سوس ماسة قامت بزيارة تفقدية للمناطق المتضررة جراء الحرائق التي عرفتها بعض واحات إقليم طاطا. ووقفت اللجنة على حجم الخسائر وتدارست مع الفاعلين المحليين من منتخبين وسلطات محلية ومجتمع مدني وساكنة سبل مواجهة الإشكالية. وعليه تم تحديد مساعي لتنزيل مخطط استعجالي لليقظة لمواجهة الحرائق، وخلق فرص للتدريب والعمل لحراس الواحة، وتشجيع الشباب على قيادة مشاريع تنموية مستدامة تساهم في التخفيف من الجفاف والتصحر والحرائق والإجهاد المائي والتغيرات المناخية. وساهم مجلس الجهة بثلاثين مليون درهم من المبلغ الإجمالي لاتفاقية الشراكة للحماية من الحرائق وتهيئة وتأهيل الواحات سالفة الذكر. المغرب يفعل مبادرة "الواحات المستدامة" يسجل أن الإدارة الوصية على قطاع الواحات تباطأت كثيرا في تنفيذ مبادرة "الواحات المستدامة" التي تقدم بها المغرب في مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين بمدينة مراكش (COP22) عام 2016، بغية حماية النظم البيئية الأكثر هشاشة، وتشجيع معالجة قضايا تغير المناخ من خلال إجراءات التكيف واستحضار خصائص كل نظام بيئي، وكذا الدعوة لتعاون دولي قوي لمواجهة تغير المناخ. لكن بقيت هذه المبادرة في الرفوف إلى حين انعقاد المؤتمر الدولي للواحات ونخيل التمر في مدينة ورزازات، منتصف هذه السنة، حول موضوع "جميعا من أجل استدامة وتكيف المنظومة الواحية"، من قبل وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، حيث تم الإعلان رسميا عن تبني المبادرة عمليا بعد انتظار دام ثمانية سنوات. وأكد مصدر مطلع أن مشروع "الواحات المستدامة" مند إعلانه والمغرب يقوم بعدة مناظرات ومحاولات لتفعيل مخرجاتها. والتأخر ناتج عن ظروف موضوعية إلى حين توفر الشروط الضرورية وتتم مباشرة ملفها بقوة واعتمادها رسميا في مؤتمر ورزازات. يذكر أن الوزارة الوصية تعمل على وضع وتنفيذ برنامج وطني لتحسين تجديد أنظمة الواحات من خلال إجراءات تناولها مخطط المغرب الأخضر. وأطلقت استراتيجية "الجيل الأخضر 2020 – 2030" التي تتطلع إلى زراعة 5 ملايين نخلة لإعادة تأهيل الواحات. وأكد مصدر من الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات والأركان أن الحرائق مؤرقة. ومكافحتها متواصلة. إذ سجلت الواحات 2000 حريقا أصابت أكثر من 130.000 نخلة. وأظهر مسح للأشجار المحترقة أن أكثر من 80 في المائة من الأشجار المتضررة يتم تنشيطها وإنتاجها في العام الموالي بفعل مرونة أشجار النخيل وقابليتها للانتعاش مرة أخرى. وعليه أطلقت الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات والأركان برنامجا وطنيا للوقاية من الحرائق والتصدي لها مع مختلف المعنيين باستخدام تقنيات مبتكرة للكشف المبكر والعمل بالكاميرات والطائرات بدون طيار. تبادل الخبرات والتجارب للمحافظة على واحات النخيل في ظل التغير المناخي وفي أفق تعاون عربي، وفي إطار تبادل الخبرات والتجارب بين الدول المعنية بالواحات، بادرت جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، في سياق استدامة الواحات بالوطن العربي، إلى الإعلان عن "المبادرة الدولية للمحافظة على واحات النخيل في ظل التغير المناخي" على مستوى دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط في المؤتمر الدولي السابع لنخيل التمر (مارس 2022) بالتعاون مع الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، من أجل تنمية واحات نخيل التمر التاريخية وتثمين المخزون الزراعي والثقافي والاجتماعي للواحات. والمحافظة على الإرث الفلاحي والبنك الجيني للتنوع الحيوي، والإرث الثقافي للواحات. ثم تمكين مجتمع الواحات على صون التنوع البيولوجي للواحات وتعزيز أمنه الغذائي لمواجهة التغير المناخي. والمحا فظة على التراث المادي واللامادي للواحات في مواجهة التغير المناخي. وصممت للمبادرة مخرجات تروم بناء شراكات إقليمية ودولية لتعزيز التعاون للمحافظة على واحات النخيل في مواجهة التغير المناخي. وتنشد نقل المعرفة ونتائج المشاريع والبرامج التي تم إنجازها في الواحات وفق أفضل الممارسات الدولية، ثم حصول الواحات المستهدفة على شهادة (GIAHS) من منظمة الأغذية والزراعة. وستعمل المبادرة على إعداد وثيقة خاصة بالواحات المستدامة لنخيل التمر ورفعها للجهات المعنية بالأمم المتحدة. ويتوقع التوقيع رسميا على المبادرة من قبل الأطراف ذات العلاقة خلال مؤتمر المناخ بالإمارات (COP28) نوفمبر 2023..