المانوزي يطالب ب«العدالة القضائية» ويدعو إلى حوار حقوقي حول استراتيجية جديدة لمناهضة الإفلات من العقاب في تحول مثير أعلنت الحركة الحقوقية وبشكل رسمي عن قرار تغيير موقعها لتصبح أحد مكونات حركة 20 فبراير عوض البقاء كطرف داعم للحركة، إذ أبرز مصطفى المانوزي رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف أن حمل هذه الصفة يهدف بالأساس إلى رد الاعتبار لمطلب الإصلاح السياسي والدستوري والمؤسساتي والتشريعي، مشيرا أن هذه الصفة التي تطلقها ضمنيا وزارة الداخلية خلال لقائها بالهيئات الحقوقية الداعمة للحركة، تمنح لهذه الأخيرة «الحق من الناحية الرسمية للتحول إلى مخاطبين أساسيين باسم 20 فبراير». الإعلان عن القرار ووضع استراتيجية جديدة لتحرك الحركة الحقوقية خلال القادم من الأيام تم عبر استعمال لهجة تصعيدية غير مسبوقة، خلال ندوة نظمها المنتدى مساء يوم الجمعة الماضي بأحد فنادق الرباط تمحورت حول» تطورات المشهد الحقوقي ما بعد 20 فبراير، وملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ما بعد 20 فبراير، وأجندة الحركة الحقوقية في ضوء مستجدات الوضع الوطني»، إذ دعا المانوزي الحركة الحقوقية إلى نهج جديد عبر وضع خطة تعتمد على تعبئة مختلف المشاركين في الاحتجاجات القطاعية وحثهم بل وإقناعهم للالتحاق بحركة الاحتجاجات التي تقودها حركة 20 فبراير، هذا فضلا عن إطلاق حوار بين مكونات الحقل الحقوقي بمختلف أطيافه لإعداد مشروع استراتيجية حول مناهضة الإفلات من العقاب والضغط من أجل إقرارها. وبالرغم من أن عددا من المراقبين تساءلوا عن سبب هذا التحول لدى الحركة الحقوقية بمختلف أطيافها ومحاولة لعب دور سياسي كانت إلى القريب تكذب كل من يلصقه بها، فإن رئيس المنتدى كشف، في التدخل الذي ألقاه خلال هذه الندوة التي عرفت مشاركة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والعصبة المغربية لحقوق الإنسان وممثلين عن عدد من الهيئات الحقوقية الأخرى، «بأن الهيئات الحقوقية منذ البداية كانت تمثل جزءا من حركة 20 فبراير، وما الإعلان بشكل رسمي عن هذا الأمر خلال لقاء الجمعة.. إلا ترجمة لما أكدته وزارة الداخلية لهذه الجمعيات خلال اللقاءات التي جمعتها بهم»، على حد تعبير المانوزي. وأضاف قائلا في هذا الصدد «بأنه حان الوقت لأن تتوافق الحركة الحقوقية حول الرسائل التي يجب أن توجه إلى من يهمه الأمر، وأن الهيئات الحقوقية بعد تاريخ 20 فبراير أصبحت جزء من حركة 20 فبراير وليست فقط جهة داعمة توفر الحماية القانونية والحقوقية لهذه الحركة». توجه التصعيد بدا بشكل واضح حينما أعلن المانوزي بأن مشروع العدالة الانتقالية قد فشل، وعن التوجه نحو القضاء في الملفات التي كان مسؤولو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في طبعته السابقة قد قرروا نفض أيديهم منها، حيث اتخذت بعض من عائلات ضحايا الاختطاف القسري قرارا بالتقاضي ورفع دعاوي في مواجهة الدولة لكشف مصير أبنائها والبحث عن الحقيقة، قائلا «إن مشروع العدالة الانتقالية قد فشل ويجب الذهاب إلى العدالة الحقيقية الموضوعية، العدالة القضائية». وأوضح المتحدث أن خطوة رفع الدعوى القضائية التي أقدمت عليها عائلة الضحية عبد اللطيف زروال، وعائلة اعبابو ليست فقط اختبارا للقضاء بل محاولة لاستنفاذ الإمكانية الوطنية والتوجه إلى الآليات القضاء الدولي». ومن جانب آخر أقر الفاعل الحقوقي بالعديد من الإيجابيات التي تحققت ممثلة في تضمين الدستور لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، ومقترح منح مديرية مراقبة التراب الوطني الصفة الضبطية في مشروع تعديل المسطرة الجنائية، والسماح خلال هذه السنة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بزيارة معتقل تمارة، إلا أنه حذر من عدد من المنزلقات التي يمكن لاستمرارها أن يؤثر بشكل جد سلبي على الحراك والدينامية التي أطلقتها حركة 20 فبراير، والتي يأتي على رأسها عدم تجاوب الدولة مع المطالب الجوهرية التي رفعتها الحركة بما فيها محاربة الفساد ونهج الحكامة الأمنية. وأبرز أن استمرار إعمال العنف في وجه المشاركين في الاحتجاجات، وعدم وضع لائحة بكل المعتقلات السرية وربطها بحفظ الذاكرة ومعالم الجريمة، وجعل الرقابة القضائية عليها، وغياب الحكامة الجيدة وعدم إقرار استراتيجية لعدم الإفلات من العقاب سيؤدي إلى حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان. ومن جهته فقد اعتبر بوبكر لاركو عن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، «بأن أكبر تحد يواجه الحركة الحقوقية يتمثل في تنزيل ما تضمنته مقتضيات الدستور الجديد، وعليها أن لا تفوت الفرصة وأن تنخرط في هذا المسار»، بحيث يصبح ضمن أجندتها اقتراح قوانين خاصة في الجانب المتعلق بمناهضة الإفلات من العقاب. هذا فضلا عن خوضها معركة حقيقة ترتبط أساسا بالعمل على ترسيخ المكتسبات وتعميقها داخل المجتمع ومن ضمنها نشر ثقافة حقوق الإنسان. وفي مقاربته لموضوع تطورات المشهد الحقوقي أبرز لاركو أن الحركة الحقوقية لعبت دورا طلائعيا خلال مرحلة إعداد الدستور الجديد، وضغطت بشكل أدى إلى تضمين هذه الوثيقة التوصيات التي حملها التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة، قائلا «بأن الزخم الحقوقي كان مهما ولو كان مثله على المستوى السياسي لكان قد تم وضع متن دستوري أفضل». وعلى خلاف ما تم ذكره بخصوص الارتقاء بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وتغيير اسمه إلى المجلس الوطني وتوسيع صلاحياته ودور حركة 20 فبراير في ذلك، أكد لاركو «في شهادة للتاريخ» أن هذه الإصلاحات تم الشروع فيها قبل بزوغ حركة 20 فبراير، حيث انطلقت المشاورات بشأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. في حين اعتبر محمد أزهاري، رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان، أن الحراك الذي انطلق مع حركة 20 فبراير كان أحد العناصر التي أدت إلى تقوية الجسم الحقوقي، حيث تعددت الاجتماعات وتم تنسيق المواقف في العديد من المحطات حول مجموعة من القضايا الجوهرية، لكنه اعتبر الإصلاحات التي أقرتها الدولة بشكل استباقي خاصة بالإعلان عن تعديل القانون المنظم للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وتغيير اسمه وصلاحياته وفق مبادئ باريس، ثم تغيير الدستور، قد بينت محدوديتها خاصة وأن المجلس الوطني لحقوق الإنسان استثنى من تركيبته الجديدة عددا من الهيئات الحقوقية. وهذا الاستثناء الذي شمل أيضا العصبة التي توصف بأنها الواجهة الحقوقية لحزب الاستقلال، هي التي دفعت رئيسها حسب مراقبين خلال هذه الندوة إلى تبني صيغة التصعيد، حيث دعا الحركة الحقوقية إلى اعتماد أجندة تتضمن مواصلة المطالبة بدستور ديمقراطي وترسيخ المحاسبة الاقتصادية والسياسية والفصل بين السياسة والمال، والإغلاق الفوري لكل المعتقلات السرية. أما عبد الإله بن عبد السلام نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فقد دعا الحركة الحقوقية إلى وضع أجندة يأتي على رأسها أن تقوم هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان باستكمال التحضير لعقد المناظرة الوطنية الثانية، وانتقد بدوره المقاربة التي اعتمدها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تركيبته عبر استثناء عدد من الهيئات الحقوقية، كما انتقد تعيين وزير داخلية سابق على رأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي. واعتبر أن عدم تقديم الدولة لاعتذار رسمي وعلني عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وعدم إعمال ضمانات عدم التكرار واستمرار الإفلات من العقاب كلها عناصر تعترض مسار البناء الحقوقي والديمقراطية الحقة. وكانت مختلف التدخلات التي شهدتها الندوة قد أجمعت بأن الحركة الحقوقية في ظل هذه المرحلة والمستجدات التي تعرفها الساحة الوطنية هي في حاجة إلى إعادة البناء والانخراط في مسار تنزيل ما يتضمنه الدستور الجديد، خاصة في الجانب المرتبط بتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، مؤكدين الحاجة «إلى دولة تجمع بين الحق والقانون وربط المسؤولية بالمحاسبة».