اعتبر نادي قضاة المغرب تلميح المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بكون القضاء مسؤول عن وضعية الاكتظاظ التي تشهدها السجون، يمس باستقلالية السلطة القضائية وهو محاولة للتأثير على قرارات الاعتقال التي قد يتخذها القضاء في المستقبل، الأمر الذي يرتب ما أقدمت عليه المندوبية في حكم مخالفة الدستور كأسمى قانون في البلاد والمعايير الدولية المتعلقة باستقلالية القضاء، وكذا الخطب الملكية السامية التي ما فتئت تحث على ضرورة احترام هذه الاستقلالية. ويبدو مما سلف أن إشكالية اكتظاظ السجون باتت ككرة الثلج التي تتقاذفها الأيدي، الكل يرغب في التخلص منها وتثبيتها على الآخر، حيث نفى عبد الرزاق الجباري، رئيس نادي قضاة المغرب، في تصريح عممه على الرأي العام ، على خلفية البلاغ الصادر عن المندوبية العامة لإدارة السجون في الموضوع، الاتهامات المبطنة الوجهة للقضاء فيما يخص تسبب قراراته في الاكتظاظ، قائلا" " إن إشكالية الاعتقال الاحتياطي تعود لعدة عوامل وأسباب مركبة، وجلها يرتبط بعمل السلطتين التنفيذية والتشريعية وليس القضائية التي لا تعدو أن تكون مطبقة للقانون ليس إلا"، وفق تعبير الجباري. ولجأ رئيس نادي قضاة المغرب، عمدا إلى التذكير بالتقعيد القانوني للبناء المؤسساتي بالمغرب، حيث أشار إلى أن الدعوة التي وجهتها المندوبية في بلاغها للقضاء على اعتبار أن المسؤول عن الاعتقال هو (النيابة العامة وقضاء التحقيق)،للإسراع في إيجاد حلول كفيلة لحل إشكالية الاكتظاظ بالسجون، فيه تجاوز لمبدأ استقلالية السلطة القضائية المنصوص عليه في الدستور المغربي، بل ويناقض المعايير الدولية والخطب الملكية في هذا الباب". ولفت القاضي الجباري، بالقول" إن توجيه تلك الدعوة للقضاء من لدن إدارة حكومية تختص، حصرا، في تنفيذ الأحكام القضائية، فيه نوع من محاولة التأثير على قرارات الاعتقال التي قد يتخذها في المستقبل"، معلنا أن مصدر الخلل والمسبب لظاهرة الاكتظاظ، يعود بالدرجة الأولى وفق الترتيب الذي جاء في تصريح مسؤول نادي قضاة المغرب، إلى السياسة الجنائية المختارة من لدن الحكومة التي تتأسس على العقوبة السالبة للحرية وميلها إليها كحل سهلٍ لمواجهة الجريمة". و عدد الجباري تسعة عوامل وأسباب وراء تعاظم إشكالية الاكتظاظ، معتبرا أن العيب ليس في القضاء بل آت من السياسة الجنائية المعتمدة، حيث أورد في هذا الصدد أمثلة عن هذا النهج الذي اختارته الحكومة ، والذي يترجمه إقرار عقوبة الاعتقال في بعض القوانين ، من بينها القوانين الخاصة بمواجهة شغب الملاعب، الغش في الامتحانات، و الطوارئ الصحية ، وهذا الأمر يؤكد المتحدث "يبتعد عن مفهوم السياسة الجنائية المعاصرة التي تقوم على اعتماد تدابير اجتماعية واقتصادية وثقافية وتربوية تهدف إلى معالجة مسببات الجريمة قبل ارتكابها". وخلال بسطه لمختلف العوامل والمسببات لارتفاع عدد ساكنة السجون، اشار رئيس نادي قضاة المغرب، إلى تعثر ورش مراجعة مجموعة القانون الجنائي، والذي كان معولا للتخفيف من حدة اللجوء إلى العقوبة السالبة للحرية وكذا تعثر ورش مراجعة قانون المسطرة الجنائية، والذي كان معولا عليه لإقرار العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدى، وكذا توسيع صلاحيات قاضي تطبيق العقوبة. – كما سجل عدم تنفيذ مجموعة معتبرة من الأحكام القضائية القاضية بإيداع محكوم عليهم في مؤسسة للعلاج، إما لانعدام مسؤوليتهم بسبب خلل عقلي، أو لنقصانها بسبب ضعف عقلي، فضلا عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية القاضية بإيداع المعتقلين على خلفية تناول المخدرات مصحات العلاج، هذا بالأضافة إلى كون عدد من المعتقلين يقضون مدة الإكراه البدني بسبب عدم قدرتها على تسديد ما بذمتها من ديون . وفي تعداده للأسباب والعوامل ، اشار الجباري أن ارتفاع حالات الاعتقال ووجود إشكالية الاكتظاظ، يعود في جانب منه إلى ارتفاع نسبة الجريمة بكل أنواعها (خصوصا الخطيرة منها) داخل المجتمع بشكل ملفت ، وما يفرضه ذلك من حزم لضمان وتوفيرالأمن للمواطنين أفرادا وجماعات ، مسجلا في الوقت ذاته تراجع العديد من المؤسسات عن القيام بأدوارها في التهذيب والتربية، فضلا عن ارتفاع حالات العود نتيجة ما سماه بفشل برامج إعادة التأهيل والإدماج، بل وفشل السياسة العقابية التي تعتبر فيها العقوبة السالبة للحرية قطب رحاها. – وتنضاف إلى كل تلك العوامل اسباب أخرى، تتمثل حسب تصريح رئيس نادي القضاة ، إلى عدم تفعيل مؤسسة الإفراج المقيد بشروط، وهي التي تشرف عليها لجنة إدارية يترأسها وزير العدل أو من ينوب عنه، والتي تضطلع بمهمة البت في اقتراحات مدراء المؤسسات السجنية نفسها بالإفراج عن بعض من برهن عن تحسن سلوكه، معتبرا أن من شأن تفعيل هذه الإمكانية القانونية بمبادرة من إدارة المؤسسات المذكورة أن يقلص من نسبة الساكنة السجنية".