مسار المغرب نحو المساواة والإنصاف وبناء الدولة الحديثة التي ترتكز أسسها على القيم الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان كان العنوان البارز الذي توقفت عنده النساء المغربيات المشاركات خلال احتفائهن يوم الاثنين الماضي، باليوم الوطني للمرأة. وأكدت نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن في كلمة بالمناسبة، أن 10 من أكتوبر الذي يشكل محطة مهمة في مسيرة المساواة بين الرجال والنساء وبناء المغرب الحداثي عبر إقرار إصلاح مدونة الأسرة، أبان أن القيم العالمية لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا ليست في تناقض مع القيم والأهداف النبيلة للدين الإسلامي. وأضافت نزهة الصقلي، بأن العاشر من أكتوبر لهذه السنة يأتي في سياق تاريخي يطبعه الدستور الجديد الذي يؤسس لدولة حديثة وديمقراطية ويكرس لكونية وعدم تجزيء شمولية حقوق الإنسان وحقوق النساء، إذ تمت فيه ولأول مرة، دسترة مبدأ المناصفة والمساواة بين الجنسين وعدم التمييز على صعيد ممارسة الحريات والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأبرزت المسؤولة الحكومية في اللقاء الذي نظمته وزارتها، تحت شعار»عشرية المساواة 2011-2002: مكتسبات وتحديات»، والذي حضرته كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية لطيفة أخرباش، وعدد من البرلمانيات وممثلو القطاعات الحكومية وممثلو منظمات التعاون الدولي وهيئات المجتمع المدني، أن هذه العشرية التي انطلقت عبر الخطاب الملكي ل 10 أكتوبر سنة 2003 بالإعلان عن إصلاح المدونة، فتحت مسار حقبة جديدة في مسيرة المساواة، حيث تم خلالها وضع استراتيجيات وطنية تعد حاليا الإطار المرجعي المعتمد، وهي ممثلة في الإستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف، والاستراتيجية الوطنية للإنصاف والمساواة. هذا، فضلا عن اعتماد الميزانية المبنية على مقاربة النوع الاجتماعي، واعتماد إجراءات التمييز الإيجابي لتمكين النساء من ولوج مراكز القرار سواء في المؤسسات المنتخبة أو على مستوى السلطة التنفيذية، بل وولوج مهن كانت حكرا على الرجال فقط، مشيرة في ذات السياق، أنه على صعيد السياسات العمومية أصبح المغرب يتوفر ولأول مرة في تاريخه على خطة عمل وطنية لمحاربة كل أشكال التمييز والنهوض بالمساواة، ممثلة في الأجندة الحكومية للمساواة التي تمتد على مدى خمس سنوات «2015-2011» المصادق عليها من طرف مجلس الحكومة في شهر مارس الماضي. هذا وبالرغم من كل تلك الإجراءات والمبادرات التي تم إعمالها من أجل الارتقاء بالنساء وتحسين أوضاعهن، إلا أن التحديات والعراقيل كبيرة، إذ أقرت المسؤولة الحكومية بالتحديات التي تواجه مسار إقرار المساواة بقولها «إن طريق المساواة طويل وشاق والعاشر، من أكتوبر يعد مناسبة للوقوف عند العراقيل من أجل تجاوزها وتحديد الصعوبات والتحديات من أجل رفعها»، مشيرة في هذا الصدد، إلى أهمية الإسراع بإرساء هيئة المناصفة ومناهضة كل أشكال التمييز التي نص عليها الدستور الجديد في الفصل ال19 منه. واعتبرت أن من شأن إقرار هذه الآلية أن تكون بمثابة ليس قوة اقتراحية فقط بل آلية للمراقبة ومواكبة تحقيق هدف المناصفة، وبالأخص خلال مناقشة القوانين الانتخابية، داعية مختلف الهيئات والفعاليات المعنية إلى العمل منذ الآن والمساهمة في تحديد اختصاصات ومهام هذه الهيئة حتى تخرج للوجود في أقرب الآجال وتتمكن من القيام بدورها. وفي هذا السياق، أشارت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة إلى مجموعة من التحديات، على رأسها صعوبة تطبيق بنود مدونة الأسرة خاصة في الجانب الخاص بتزويج القاصرين وتعدد الزوجات وتقاسم المكاسب المادية ما بين الأزواج، حيث أكدت أن ظاهرة زواج القاصرين لازالت عصية بل وتزداد توسعا، إذ سجلت ما بين 2009 و2010 زيادة بنسبة 11,10 في المائة، حيث 8,7 في المائة من القاصرات اللواتي تم تزويجهن خلال سنة 2010 ينتمين إلى الفئة العمرية الأقل من 16 سنة، في حين أن نسبة 60,7 في المائة من القاصرات اللواتي تم عقد قرانهن خلال ذات السنة تتراوح أعمارهن بين 17 و18 سنة. المسؤولة الحكومية أبدت قلقها الشديد حيال تفشي هذه الظاهرة، خاصة وأن الدولة تخصص ربع ميزانيتها للتربية والتعليم، مبرزة أن دور الجهاز الطبي والمساعدات الاجتماعيات والقضاء في هذا الصدد يعد محوريا على اعتبار أن 92.21 في المائة من طلبات تزويج قاصرين تمت الموافقة عليها بعد التحري والخبرة أو هما معا. كما أشارت إلى التحديات التي ترتبط بالمستوى التشريعي سواء الذي يهم التحرش الجنسي بالأماكن العمومية وإخراج قانون حول العنف الزوجي وقانون محاربة تشغيل الطفلات القاصرات كخادمات بالبيوت، هذا فضلا عن مراجعة التشريعات المرتبطة بالإجهاض في الحالات المرتبطة بحمل جراء الاغتصاب أوتشوه جنيني أو تعرض الحامل لخطر، أخذا بعين الاعتبار المقتضيات الأخلاقية. ومن جانبه، أكد محمد الطيب الناصري وزير العدل في تدخل ألقاه بالمناسبة، أن الاحتفاء باليوم الوطني للمرأة يعد تكريما واعترافا بدور المرأة في المجتمع ومحطة لاستحضار الخطوات الجبارة التي قطعها المغرب في مسار تحسين والارتقاء بأوضاع النساء، حيث شكل إصلاح المدونة منعطفا مهما وقاعدة صلبة تؤسس لجيل جديد من الحقوق لفائدة النساء والأطفال بل والأسرة. وأعلن المسؤول الحكومي الذي دعا الحاضرين في هذا اللقاء إلى الوقوف تكريما للوزيرة نزهة الصقلي عرفانا لنضالاتها اتجاه قضايا النساء ودفاعها المستميت من أجل حقوقهن في المجالس الحكومية، أن الحملة التي أطلقتها وزارة العدل بشأن تسوية زواج «الفاتحة» أي تفعيل المادة 16 من مدونة الأسرة الخاصة بثبوت الزوجية والتي شملت مختلف مناطق المغرب،خاصة منها النائية مكنت من توثيق 30 ألف زواج خلال ثلاثة أشهر من سنة 2011، مشيرا، أن الوزارة عملت على تقريب القضاء من المتقاضين عن طريق عقد جلسات تنقلية خارج فضاءات المحاكم، حيث انتلقت هيئة القضاء إلى القرى النائية والأسواق الأسبوعية وأن ذلك تم بتعاون مع السلطات المحلية وهيئات المجتمع المدني. وأشار، إلى أن الوزارة تعمل من أجل استصدار أحكام ثبوت الزوجية قبل انتهاء المدة المحددة قانونا والتي ستنتهي في سنة 2014، مذكرا في ذات الوقت بمختلف الأوراش المفتوحة والتي تضطلع وزارة العدل بتنفيذها فيما يتعلق بالمقضيات التي تتضمنها المدونة والتي تخص المرأة والطفل والأسرة عموما، بما فيها صندوق التكافل العائلي الذي دخل مرحلة التنفيذ العملي، وإدماج آلية الوساطة لتدبير الخلافات الزوجية، وإعداد جداول موحدة مساعدة لتحديد النفقة وإحداث خلايا لمكافحة العنف ضد المرأة. كما أشار في هذا الصدد، إلى فضاءات القضاء الأسري التي أصبحت تشمل 67 قسما من أقسام قضاء الأسرة، و32 من البنايات الخاصة، هذا بالإضافة إلى أجنحة مخصصة بالمحاكم الابتدائية في انتظار إحداث فضاءات خاصة بتلك القضايا. هذا، وقد أشرفت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن في ختام هذا اللقاء على توقيع أكثر من 30 اتفاقيات دعم وشراكة مع النسيج الجمعوي العامل في مجال التحسيس بمقتضيات مدونة الأسرة، وسيصل الغلاف المالي المخصص لهذا النسيج مع التركيز على الجمعيات العاملة بالعالم القروي وشبه الحضري إلى 4 مليون درهم. كما تم توقيع اتفاقيات شراكة لدعم 67 جمعية شريكة تابعة للمركز الوطني للاستماع للنساء ضحايا العنف،ووصل الغلاف المالي الذي تم تقديمه في هذا الصدد لحوالي 4.6 مليون درهم.