يأتي تدشين الحلبة المطاطية بالجماعة القروية آيت قمرة بإقليم الحسيمة، أول يوم السبت، من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والذي يندرج في إطار برنامج طموح وواسع النطاق لتأهيل ألعاب القوى الوطنية، تجسيدا للرعاية الموصولة التي ما فتئ جلالته يحيط بها الرياضة والرياضيين، ومنها ألعاب القوى «أم الألعاب» باعتبارها رافعة للتنمية المستدامة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. فمن خلال رياضة ألعاب القوى، الرياضة المغربية الأولمبية بامتياز، تمكن الأبطال والبطلات المغاربة من رفع العلم الوطني خفاقا في أكبر وأرقى التظاهرات العالمية لما يربو عن ربع قرن، جاعلين من المغرب مثال يحتدى به على المستوى الدولي. كما أن اهتمام حكومة صاحب الجلالة بقطاع الرياضة نابع من قناعة بدوره الاجتماعي في تأطير الشباب وصقل مواهبه، ووعي بوظيفته التنموية، ومساهمته الفعالة في الترويج لصورة المملكة ومد إشعاعها العالمي. وفي هذا الصدد، يأتي توقيع عقد البرنامج الخاص بتأهيل ألعاب القوى المبرم سنة 2007 بين الحكومة والجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، بمقتضى عقد شراكة يمتد على مدى خمس سنوات تساهم في تمويله كذلك الجماعات المحلية والمحتضنون، والتوقيع العام الماضي على عقدة أهداف بين وزارة الشباب والرياضة والجامعة تمتد صلاحيتها على مدى أربعة أعوام، وذلك بهدف تعزيز المكتسبات الفعلية لألعاب القوى الوطنية في إطار إستراتجية واقعية وجد مدروسة للارتقاء بهذا النوع الرياضي إلى مراتب أفضل. وتهدف الاتفاقيتان بالأساس، إلى تطوير ممارسة ألعاب القوى، وتعزيز موقع المغرب ضمن الدول الرائدة، وبلوغ مراتب متقدمة على المستوى الدولي، علما بأن بلورة هذه الأهداف الطموحة وغيرها يستدعي بذل جهود إضافية على المستويات البشرية والتقنية والتجهيزية، وتعبئة المزيد من الموارد المالية، إدراكا بأن التنافسية الدولية أصبحت اليوم أكثر حدة، خصوصا مع بروز دول تسخر استثمارات ضخمة في هذا المجال. ولم تتوان الحكومة والجامعة عن تسخير كل الإمكانيات لتعزيز التجهيزات الرياضية، وتحديث أنظمة التكوين لجعلها في مستوى المواصفات الدولية، وتطوير الموارد البشرية، وتحسين القدرات التدبيرية، ودعم برامج التواصل من أجل تعبئة مختلف المتدخلين في هذا الصنف الرياضي. فالإستراتيجية التي اعتمدتها الجامعة مستلهمة من الرسالة الملكية الموجهة إلى المناظرة الوطنية حول الرياضة في 24 أكتوبر 2008، ومن برنامج تأهيل ألعاب القوى، والتي ترتكز بالأساس على بلورة تسيير مالي وإداري شفاف وتطوير البنيات التحتية ودعم منظومة تكوين الرياضيين والمدربين وإصلاح منظومة تحفيز العدائين والمدربين وتأهيل المسابقات وتوسيع قاعدة الممارسة الشعبية لهذه الرياضية. وإيمانا منها بأهمية دور التجهيزات الأساسية في تطوير ممارسة ألعاب القوى بالمملكة، بادرت الجامعة إلى إطلاق ورش كبير في هذا الميدان يتمثل على وجه الخصوص في تشييد الأكاديمية الدولية محمد السادس لألعاب القوى بإيفران (122 مليون درهم) وبناء خمسة مراكز جهوية للتكوين (157 مليون درهم) و21 حلبة مطاطية بمختلف ربوع المملكة (283 مليون درهم) ومركز للطب الرياضي بالرباط (16 مليون درهم). ويساهم في تمويل البرنامج الذي رصد له غلاف مالي بقيمة 578 مليون درهم كل من صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (240 مليون درهم) والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية (197 مليون درهم) والميزانية العامة للدولة (141 مليون درهم). كما تم إطلاق برنامج وطني للتنقيب عن المواهب الواعدة التي ستشكل نواة المنتخبات الوطنية في أفق الاستحقاقات العالمية والقارية والجهوية للسنوات المقبلة فضلا عن تحفيز مدربي الأندية بتخصيص نسبة 10 بالمائة لهم من قيمة الجوائز النقدية الممنوحة للعدائين المتوجين في المسابقات الوطنية بالإضافة إلى إصلاح قوانين وأنظمة الجامعة وتمكينها من وحدات للتكوين ووسائل العمل الضرورية، نظرا للدور القاعدي الذي تضطلع به لتطوير هذه الرياضة. وكما في الماضي ومع اقتراب الألعاب الأولمبية المقررة في لندن (27 يوليوز - 12 غشت 2012) تعلق الأوساط الرياضية المغربية آمالا عريضة على ألعاب القوى، باعتبارها قاطرة الرياضة الوطنية، في اعتلاء منصة التتويج والتواجد في لائحة الشرف في أولمبياد لندن، بعدما منحت المغرب حتى الآن 18 ميدالية، منها ست ذهبيات وخمس فضيات وسبع برونزيات، من أصل 21 ميدالية أحرزتها في تاريخ مشاركاته الأولمبية منذ دورة روما 1960، فيما كانت الميداليات الثلاث الأخرى في الملاكمة وجميعها برونزية.