الساعة الآن الثانية عشرة والنصف وخمس دقائق، جهزت الشنط، شنطتين، كانوا ثلاثة، تركت اثنتين لجان وأخذت منها واحدة أشيك، ميد إن فرنسا، وفكرت في ضرب السيجارة الأخيرة في تولوز، ولففتها وأنا أفكر في مصير الخمسين يورو، عندما صحيت من النوم فتشت شنطة جان واختلست منها خمسين يورو، جان كريمة، وطوال الرحلة أعطتني الكثير، الرحلة اصلا على حسابها، وهي تعرف بالطبع أني أحتاج مصاريف، ولكن بعدما حشرت الخمسين يورو في الشنطة بدأت أقلق، وضايقني خاطر المومس التي تنفضّ الزبون بعد المضاجعة مباشرة، بالعكس المومس أفضل، اشجع، تسطو على كل ما يقع في يدها، بينما أنا أختلس خمسين يورو من مئتين معتمدا على ان جان المسطولة دائما لن تأخذ بالها، وأعدت الخمسين يورو مكانها، وجلست على مكتبي ورحت أتأمل مروج تولوز بضمير مرتاح. جان نائمة، فكرت أصحيها ولكني تركتها، لابد ان ليلة امبارح كسّرتها، بعدما عدنا من الدسكو عملنا واحد استمر حتى الصباح، حتى شروق الشمس، شمس تولوز الجميلة، وبالطريقة المعتادة، هي مصّته حتى أحسست اني أحلق في السماوات، ثم جلست عليه وراحت ترقص، وهو صمد على غير العادة، أنا نفسي أحسست انه ليس هو، ليس ذلك الأرعن الذي ينفثئ كفقاعة، وانما شيء آخر، متبتّ قوي ورزين وواثق، وجان فوقه جن مصور، ألعبان أو حاوي أو كلاهما معا، وحينما كان يفلت لسبب من الأسباب ويبدأ رحلة الانهيار المعتادة كانت تسعفه بشفتين ملتهبتين تلقمانه لقما يعيد اليه الحياة. وها هو يتحرك على السيرة، وينتصب أكثر من الأمس، فكرت أن أهمده بعشرة سريعة، يمكن أن أعملها هكذا وأنا قاعد على المكتب أمام مروج تولوز، أنا خبير في ضرب العشرات، أضربها بانتظام طوال ربع قرن، وأعتقد أني طورتها بشكل مذهل، انها مهربي وملاذي، بل أراها مهربا وملاذا للناس جميعا، الانسان في النهاية وحيد، وما الشذوذ بنوعيه اللواط والسحاق إلا محاولات طليعية لتحقيق وحدته، ولكن هذا موضوع آخر. بدأت أفكر في واحدة، لا أفكر وأنما اختار واحدة تصلح لمروج تولوز، في البداية، أقصد بداية اكتشافي لملاذي ومهربي، كان الموضوع كله خيال في خيال، وكان بإمكاني تخيل المستحيلات كنجمات السينما أو حتى المحارم كالأخوات والخالات والعمات، ولكن في الفترة الأخيرة، أقصد في السنوات العشر الأخيرة، صرت لا أستطيع تخيل إلا اللواتي أعرفهن، ليس اللواتي أعرفهن فقط ولكن اللواتي يصلحن لي شرعا وأتوقع إمكانية النوم معهن في الواقع، وبمرور الوقت انقلب الحال، وصارت العشرة الخيالية ترمومتر، مجس اختبار لا يخيب، وتكونت لدي شبه قناعة بأن التي يمكن استدراجها في الخيال يمكن استدراجها في الواقع. المهم فاضلت بين إيمان صديقتي الجديدة وسحر حبي الأول، وكدت أستقر على إيمان، صغيرة وشهية وخبيرة بالأمر، ولكني تذكرت جان، وقلت انها أولى، ثم انه من الأليق التعبير لها عن امتناني قبل الطائرة مباشرة، وتركت مكتبي ومريت على الحمام وغسلت اسناني ودخلت على جان، أعرف انها عارية، هي مصابة بما يشبه الحساسية من الملابس الداخلية، وعادة تسير في الشارع بدون كلوت وسوتيان فما بالك لو كانت نائمة، واندسست بجانبها، «صباح الخير جان». «بونجور جوليل»، واستجابت بسرعة، هي لم ترفض هذا الشئ أبدا، وأحيانا أحس انها لا تريد من الحياة الدنيا سواه، وتحاملت على يديها وتألمت من الضلع المكسور واستدارت إلي، أعرف انها متوجهة اليه، وانتظرتها هناك، انتظرتها بشوق ورهبة، ووصلت ومسدته بكل حنان ولعقته من أوله لآخره ثم التقمته، وهنا بدأت أحس بالخطر، وحينما جلست عليه أصبح الخطر حقيقة، وقلت ان الأئمن أن ابدأ أنا حتى اتحكم في الأمور، وانقلبت فوقها، ومن باب الاحتياط عددت من واحد لعشرة مرتين بالعكس، ولكن هيهات، بمجرد ان سمعت حشرجتها وأحسست بسخونتها الطالعة كالصهد لم أحتمل، ودفعته الى أقصى ما أستطيع وانهرت، هي حاوت معه وحسست عليه وهو منكمش أو قل غارق في بركته، وعندما لم تجد منه بصيص أمل، لم تستسلم، اعتمدت على نفسها، انقلبت على ظهرها ووضعت وجهها في عنقي وواصلت بيدها بكل قوة وعنفوان، وراحت تنقبض وتنفرج ثم جاءت الحشرجة الحقيقية، الحشرجة التي لم أسمعها أبدا، وأطلقت صرخة مدوية لابد ان الجيران سمعوها ثم همدت، أنا كنت ساكن وخجل من نفسي، وعندما انتهت تسللت من جانبها وعدت للمطبخ وأنا أفكر في استعادة الخمسين يورو، يبدو ان خزلان الواحد شجعني على مواصلة الخزلان حتى النهاية، وفتحت شنطة جان وحشرتها في جيبي، وقلت هذا أفضل، مازال هناك إمكانية للتراجع، يمكنني أن أخرجها أمامها في أي وقت وأقول انني وجدتها مرمية في الحمام أو المطبخ أو أي عفريت أزرق، وضربت سيجارتين متواليتين، واستحميت ولبست هدومي وجلست على مكتبي ادخن السيجارة الثالثة، ولمحت جان تسير ناحية الحمام عارية، وسرعان ما لبست وجاءتني في المكتب وقالت «عايز فلوس» فقلت «لا» فقالت «تمام» فقلت «تمام»، ولكنها اقتربت مني ودست في جيبي خمسين يورو وقالت «عشان الشيكولاته، أنا عايزاك تشتري شيكولاتة وتضرب وتفكر فيا في مصر» ومع استقرارها في جيبي بدأت اشعر بارتياح حقيقي تجاه الخمسين يورو الأولى.