أقيل وضاح خنفر، وجرى تعيين الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني خلفا له في منصب مدير عام شبكة الجزيرة الإعلامية، وكان يمكن للخبر أن يعبر اهتمامنا اليومي بشكل عادٍ، ولكن لكون الأمر هذه المرة يتعلق بقناة تلفزيونية شغلت، طيلة سنوات، الكثير من الاهتمام العربي، رسميا وإعلاميا وشعبيا، فإن القرار الأخير الصادر عن الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني رئيس مجلس إدارة الشبكة، شكل الحدث، وورد أمس في واجهات الإعلام العربي والعالمي. وبقدر ما أن القناة القطرية أسست فعلا لمرحلة جديدة في الإعلام التلفزيوني العربي منذ إنشائها، فإن مرحلة الأعوام الثمانية التي قضاها وضاح خنفر على رأس القناة اعتبرت لدى الكثيرين مرحلة مليئة بالتوترات والاستفهامات، وقد تجلت بعض محطاتها الأخيرة في موجة استقالات المذيعين، وإقدام بعضهم على فضح أشياء من المطبخ الداخلي، ثم هناك ما كشفت عنه وثائق ويكيليكس بخصوص علاقات جمعت منذ ست سنوات خنفر بالمخابرات الأمريكية، وكل هذه القضايا بإمكانها أن تفسر، ولو جزئيا، إقدام المسؤولين القطريين على إبعاد وضاح خنفر، وتعويضه بأحد أفراد الأسرة الحاكمة. من الممكن أن يقدم الكثيرون من بني جلدتنا هنا في المغرب على كيل الانتقادات الآن لوضاح خنفر والاقتصار على تعداد سلبياته، رغم أن منهم من أكل وشرب من راحة يديه، ومن دون جواز مروره ما كان لأحد أن يعرف بأسماء ووجوه بعض «محللينا» المزعومين، لكننا لن نشرب نحن من ذات الكأس، ونعتبر أن القناة الأشهر عربيا ستدخل على كل حال اليوم مرحلة جديدة، ولعل أبرز مؤشر عن ذلك، أن تنظيمات وأصوات الحركات الدينية المتشددة سيتراجع نفوذها داخل هياكل القناة ومن خلال برامجها ونشراتها، كما أن مشاريع قنوات فضائية جديدة يجري اليوم الحديث عنها، سواء من طرف مذيع القناة السابق غسان بنجدو، أو من طرف الملياردير السعودي الوليد بن طلال، من شأنها أن تفرض على القناة القطرية شروطا تنافسية جديدة، علاوة على أن التحولات التي تشهدها دول عربية، والاتجاه المتزايد نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان والانفتاح، سيفرض أيضا على الدوحة توجيه ذراعها الإعلامي نحو المزيد من العقلانية والموضوعية المهنية، وبالتالي أن تستعيد القناة التمثل الحقيقي لشعارها «الرأي والرأي الآخر» وفق قواعد مهنية رزينة. من غير المهم الوقوف الآن عند تأويلات الإطاحة بوضاح خنفر، والبحث في المبررات السياسية القطرية الداخلية والارتباطات العائلية في الأسرة الحاكمة، وفي الضغوط الخارجية، الحقيقي منها والمتوهم، ولكن الأساسي أن دينامية التغيير وصلت اليوم إلى الجزيرة، وذلك يطرح علينا هنا في المغرب التفكير من جديد في سبل واستراتيجيات تطوير حضورنا كبلد وكتجربة سياسية متميزة في الفضاء الإعلامي العربي والدولي، قبل أن يفرض علينا أن نكون من بين ضحاياه.