قررت الحكومة تجاوز المقاربة التقليدية في التجاوب مع طلبات الاستثمار، التي تتطلب وقتا طويلا لتحسين البيئة الاستثمارية ودعم تنافسية الاقتصاد وذلك بالتخلص من العشرات من الوثائق، التي تعرقل تسجيل المشاريع الجديدة. وتسعى الحكومة لترسيخ سياسة جديدة للاستثمار تستند إلى محاربة البيروقراطية الإدارية وجعل بيئة الأعمال أكثر جذبا لرؤوس الأموال في السنوات المقبلة. ومن المقرر أن يتم حذف 60 في المئة من الوثائق المطلوبة في ما يخص مقبولية مشاريع الاستثمار، ونصف الوثائق المطلوبة بشأن التمويل العقاري و45 في المئة من الوثائق المتعلقة برخص الاستغلال و33 في المئة من الوثائق المطلوبة في تراخيص الإعمار. وأكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش خلال الاجتماع الثالث للجنة تبسيط الإجراءات الإدارية في وقت سابق هذا الأسبوع أن الهدف هو تسخير كافة الجهود والإمكانيات لإنجاح هذا الاتجاه الذي يشرف عليه العاهل المغربي الملك محمد السادس بنفسه. وقال إن "كافة المتدخلين، من إدارات ومؤسسات عمومية، وجماعات محلية وباقي الهيئات المعنية، عليهم الانكباب على إعداد جيل جديد من الإصلاحات المتعلقة بتبسيط الإجراءات الإدارية ورقمتنها". وأوضح أنه يجب أن يتم ذلك وفق برنامج محدد يجعل من التحول الرقمي وتبادل المعلومات والوثائق بين الإدارات قاعدة للإصلاح الحقيقي تتماشى وتطلعات المواطنين والمستثمرين، وتضمن الفعالية والشفافية في تأطير عمل المرافق الحكومية. وأضاف أخنوش أن "الحكومة ووعيا منها بالدور الذي من المفترض أن يضطلع به الاستثمار العام لصالح الاستثمار الخاص، تسعى لملاءمة سياسة الدولة في مجال الأعمال مع التحولات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية". وتسارع الرباط لتفعيل ركائز النموذج التنموي الجديد حيث تنكب السلطات على توجيه بوصلتها نحو القطاع الخاص ليقود قاطرة الأنشطة التجارية والاستثمارية، بما يساعد على إعطاء النمو زخما إضافيا وفي الوقت ذاته مواجهة معضلة البطالة. وفعليا تعكف الحكومة على وضع "خارطة طريق جديدة بحلول 2026″، تتعلق بتحسين مناخ الأعمال بالتنسيق مع جميع الفاعلين في القطاعين العام والخاص. ومن المتوقع أن تقطع الخارطة مع الماضي بشأن الإجراءات الإدارية والاستثمار في العقارات والمناطق الصناعية والتمويل، فضلا عن الابتكار وثقافة ريادة الأعمال، وترتكز أساسا على تحسين رقمنة مسار المستثمر وإنشاء آليات للتنسيق والرصد. وتؤكد غيثة مزور الوزيرة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة أنه لحد الآن تم تبسيط 22 قرارا إداريا ورقمنتها عبر المنصة الرقمية للمراكز الجهوية للاستثمار. وقالت إن ذلك "سينعكس إيجابا على مسار المستثمر من حيث إعفائه من مجموعة من المراحل وتقليص المدة الزمنية اللازمة لإعداد ملفات الطلبات، كما تم تحديد مجموعة من الإجراءات التنفيذية التي تهدف إلى تفعيل الصيغ الجديدة لها". وأوضحت مزور أنه من أجل تقليص الوثائق المطلوبة من المستثمرين بنسبة 45 في المئة تم اعتماد خمس تقنيات تبسيطية، تشمل تعويض بعض الوثائق بمعلومات يصرح بها المستثمر، وتوفير الإدارة لبعض الوثائق بدل طلبها من المستثمر. وفي وقت لاحق يتم استكمال بعض الوثائق بعد الحصول على موافقة اللجنة مع حذف "الوثائق غير المبررة وتعويض مجموعة من الوثائق بنماذج معدة مسبقا"، وفق المسؤولة الحكومية. وقامت وزارة الانتقال الرقمي بإعداد مجموعة من النصوص التنظيمية خاصة المتعلقة منها بتحديد لائحة القرارات الإدارية الضرورية لإنجاز مشاريع الاستثمار طبقا للقوانين الجاري بها العمل، والتي لا يتعدى أجل الحصول عليها 30 يوما. وتعتبر المنصة الرقمية للمراكز الجهوية للاستثمار فضاء للنظر في ملفات المشاريع الاستثمارية بهدف إطلاق الصيغ الجديدة للمساطر المبسطة على هذه المنصة بداية سنة 2023. وتقول الحكومة إنه سيتم مواصلة تطوير البوابة الوطنية للإجراءات الإدارية، وتتبع تنفيذ الإجراءات التبسيطية على أرض الواقع، واستعراض أربعة مشاريع مراسيم، مع تحديد أجل نهاية شهر مارس المقبل من أجل المصادقة عليها. وأكد الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار محسن الجزولي أن الحكومة تلتزم بالقيام بإصلاحات لتحسين مقومات مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار ومنها على الخصوص تبسيط الإجراءات، والتفعيل الكامل لميثاق اللامركزية الإدارية، وتسهيل الوصول إلى العقارات. ودخلت مقتضيات ميثاق الاستثمار الذي تم الإعلان عنه العام الماضي حيز التنفيذ حيث يهدف إلى تحقيق أهداف رئيسية، تتمثل في توفير أساليب عمل ثابتة وتوجيه رؤوس الأموال نحو قطاعات الأنشطة ذات الأولوية ومهن المستقبل وتوزيعها على المناطق. ويتطلع المغرب إلى أن يكون سوقه أكثر جاذبية لجعله مركزا قاريا ودوليا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتشجيع وتعويض الواردات بالإنتاج المحلي، وتحقيق التنمية المستدامة. ويسعى الميثاق لرفع حصة الاستثمارات الخاصة لتبلغ 32.76 مليار دولار بحلول 2035، أي بمعدل ثلثي الاستثمار الإجمالي، مع توفير ظروف مواتية ومناخ أعمال ملائم كفيل بجذب اهتمام المستثمرين المغاربة والأجانب. وأكد محمد شوكي رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالبرلمان أن التوجهات الإصلاحية بما فيها المرونة الإدارية والتحولات العميقة الجارية على الصعيدين الوطني والدولي ستعيد الثقة للمستثمرين في مواجهة سياق عدم اليقين. وقال إن "الدولة تعمل على تحفيز الاستثمار للمساهمة بشكل أكبر في تحريك عجلة الاقتصاد، بالاستناد إلى التوصيات الواردة في التقرير العام للنموذج التنموي في ما يتعلق بالأهداف تنمية الاستثمار وتشجيعه لجعل المغرب مركزا قاريا ودوليا".