تحت شعار "لا خصومة دائمة في السياسة"، انخرطت خلال الأسابيع الأخيرة كل من أنقرةودمشق في مسار من المفترض أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تطبيع العلاقات بينهما، أو على الأقل إلى استئناف الاتصالات الرسمية بشكل أكثر انتظاما، وذلك بدعم ووساطة من روسيا، الحليف المشترك للبلدين. وعلى طاولة المفاوضات عدد من الملفات الشائكة، من بين أهمها تأمين الحدود التركية-السورية ومكافحة الجماعات المسلحة والانفصالية التي تعتبر أنقرة أنها تهدد أمنها القومي، وكذا ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. هذه القضية التي تزداد حدة داخل تركيا، سيما ونحن على أبواب انتخابات رئاسية وتشريعية حاسمة، يتوقع أن يشكل اللاجئون السوريون أحد أبرز رهاناتها. ومنذ 2011، تاريخ اندلاع الثورة السورية التي تحولت بعد ذلك إلى حرب أهلية طاحنة أدت إلى نزوح ملايين السوريين إلى تركيا، انقطعت الاتصالات بين البلدين، سيما وأن أنقرة أصبحت داعما أساسيا للثورة. وبعد أكثر من عقد من الزمن، الذي شهد تطورات جيوسياسية كثيرة قلبت موازين القوى، وثقل ملف اللاجئين السوريين على الساحة الداخلية التركية، ورغبة أنقرة في القضاء على الجماعات المسلحة في الشمال السوري، انخرطت تركيا في مسار تصالح مع جارتها الجنوبية، ت و ج بلقاء وزيري الدفاع التركي والسوري في موسكو، شهر دجنبر الماضي. وكانت هذه المرة الأولى، منذ أكثر من عشر سنوات، التي يجتمع فيها مسؤول تركي مع مسؤول سوري بصفة رسمية وبتغطية واسعة من الإعلام التركي. وذكرت وزارة الدفاع التركية أن العاصمة الروسية موسكو، احتضنت يوم 28 دجنبر الماضي، اجتماعا بين وزراء دفاع تركياوروسياوسوريا لمناقشة الأزمة السورية. وأضافت الوزارة في بيان لها، أن الاجتماع ضم وزراء الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، والسوري علي محمود عباس، بالإضافة إلى رؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الثلاثة. وأشارت إلى أن الاجتماع الثلاثي ناقش الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين والمكافحة المشتركة للتنظيمات الإرهابية في سوريا. وسجل المصدر أن اللقاء "عقد في أجواء بناءة"، مشيرا إلى أن الدول الثلاثة اتفقت على استمرار الاجتماعات الثلاثية من أجل ضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة. وجاء اللقاء الوزاري بعد اجتماع غير معلن شهر شتنبر الماضي، بين رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، ومدير مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك في دمشق. ووفقا ليومية (ديلي صباح) التركية، كان اللقاء يروم أساسا وضع خريطة طريق للعودة الآمنة للسوريين في تركيا إلى بلادهم. وتتجه أعين المراقبين الآن إلى اللقاء المرتقب بين وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مع نظيريه الروسي والسوري، خلال الأيام القادمة. وكان جاويش أوغلو قد أعلن في تصريح صحفي في وقت سابق من هذا الشهر، لقد "قررنا عقد اجتماع ثلاثي في النصف الثاني من يناير. وقد يعقد الاجتماع في بلد آخر (في إشارة إلى دولة غير روسيا)". وبعث المسؤول التركي برسائل إيجابية إلى دمشق قبيل هذا الاجتماع المرتقب، حيث أشار إلى أن بلاده مستعدة ل"نقل السيطرة بمناطق وجودها العسكري في سوريا إلى سلطة الحكومة السورية"، لكنه شدد على ضرورة تأمين العودة الآمنة للاجئين السوريين قبل أي شيئ. من جانبه، سبق وأن أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن بلاده تريد "تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية" من خلال اتصالات ثلاثية تشمل روسيا. كما لم يستبعد أردوغان لقاء الأسد، إذا سمحت الظروف بذلك، قائلا إنه "لا توجد خصومة دائمة في السياسة"، دون تحديد أي موعد أو مكان للقاء المفترض. يشار إلى أن تركيا تدعو جارتها الجنوبية إلى إنشاء منطقة أمنية بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود التركية-السورية تكون خالية من أي جماعات لها صلة بتنظيم (حزب العمال الكردستاني). كما تطلب أنقرة أن تساعدها سوريا على إعادة مليون لاجئ، على الأقل، إلى مناطق آمنة داخل التراب السوري. بدوره تطالب دمشق بالانسحاب الكامل للجيش التركي من أراضيها وإنهاء دعم أنقرة للمعارضة السورية، وهو المطلب الذي ترفضه تركيا. يذكر أن ما يفوق عن 3,5 مليون لاجئ سوري يعيشون فوق الأراضي التركية، وهو أكبر عدد من اللاجئين في العالم.