قال نزار بركة وزير التجهيز والماء، إن مشكل الجفاف ليس بجديد على المغرب، موضحا أن الذي حصل هذه السنة، هو شح الأمطار، مقابل ارتفاع الطلب من قبل المواطنين على الماء. وأكد نزار بركة، في ندوة بالدارالبيضاء، حول "النجاعة والأمن المائي بالمغرب: مسؤولية الجميع!"، نظمتها مؤسسة Finances News Hebdo، بشراكة مع وزارة التجهيز والماء ووزارة الصناعة والتجارة، أن مشكل الجفاف اتخذ هذه السنة طابعا دوليا، نتيجة التغير المناخي العالمي، وهو ما يعني خروج التحكم في الوضع عن اليد البشرية. وأوضح بركة، أنه بالرغم من هذه التحديات، استطاع المغرب أن يدبر فصل الصيف الذي يرتفع الطلب فيه على الماء بأقل الخسائر، دون أن يتم اتخاذ أي قرار بقطع الماء على المواطنين المغاربة، مشددا بأن الحق في الماء مكفول لهم بقوة الدستور. بيد أنه مقابل هذا الحق، دعا وزير التجهيز والماء، المغاربة إلى التحلي بروح المواطنة في الحفاظ على هذه الثروة المائية، استنادا إلى التدبير الجيد في المنازل، والوحدات السياحية، والصناعية، والفلاحية، مبرزا أهمية تغيير سلوكياتنا في التعامل مع الماء من أجل تجاوز أي أزمة "لا قدر الله"، ولضمان حياة الأجيال القادمة من إشكالية الماء، وذلك في إطار التدبير المستدام، والتثمين الأفضل للإمكانيات المائية. وكشف المسؤول الوزاري أنه يتم حاليا الاشتغال على تدبير الماء استنادا إلى التطورات التي تفرضها المعطيات اليومية للسدود، وكذا انتظار "الرحمة الربانية" بسقوط الأمطار. وذكر نزار بركة أنه تم اتخاذ جملة من التدابير لمصلحة البلاد في قطاع الماء، من قبيل إطلاق أشغال 129 سدا صغيرا ومتوسطا، بالإضافة إلى 16 سدا كبيرا قيد الإنجاز تقدر سعتها ب 24 مليار متر مكعب، وذلك للحد من الإجهاد المائي، وحماية المغاربة من العطش والفيضانات. ولم تفت بركة الإشارة إلى أن جهة الدارالبيضاء- سطات، تعرف ارتفاعا كبيرا على مادة الماء، وهو ما يجعلها على رأس المدن المتأثرة بالإجهاد المائي، مسجلا أنه سيتم قريبا الشروع في العمل على محطة لتحلية 300 مليون متر مكعب من المياه، إلى جانب العمل على نقل مياه سد الحراسة على مستوى حوض سبو نحو حوض أبي رقراق على مستوى سد سيدي محمد بن عبد الله نحو الدارالبيضاء. من جانبه، سلط رياض مزور وزير الصناعة والتجارة، الضوء على دور الوزارة في الحد من التلوث الناتج عن الصناعة، وذلك بتوجيه الصناعات نحو استهلاك أكثر مسؤولية للمياه والاستهلاك الداخلي للمياه المعاد تدويرها، ومشروعات جديدة تهم تحلية وتصفية المياه. وفي هذا السياق، استعرض سلسلة من البرامج التي أعدتها الوزارة بهدف تقديم حلول للإجهاد المائي ولتلبية احتياجات السكان، ويتعلق الأمر ببرنامج نقل وتجميع الصناعات التي لها تأثير على منسوب المياه الجوفية، وبرنامج مواكبة المشاريع الجديدة لتصفية المياه من خلال نظام بيئي سيمكن المغرب من تلبية احتياجاته من المعدات أو حتى تصديرها. الاستقلالية المائية من جهته، حذر عبد اللطيف معزوز رئيس جهة الدارالبيضاءسطات، من شح المياه بهذه الجهة في مطلع سنة 2025، بفعل الطلب المتزايد على الماء والاستهلاك غير المعقلن، داقا ناقوس الخطر لتجنب السيناريوهات السيئة. وأبرز عبد اللطيف معزوز، أن مجلس الجهة رصد ما يناهز 9 مليارات درهم لتقوية البنية التحتية المائية في أفق سنة 2027، من خلال إحداث محطات لتحلية مياه البحر بحوالي 500 مليون درهم، ثم تشييد وحدتين لتدوير المياه المستعملة، وأخيرا ربط جهة الدارالبيضاء- سطات بمياه حوض سبو وسايس وأبي رقراق بحوالي 7 مليارات درهم. وشهد اللقاء الذي عرف تفاعلا إيجابيا مع موضوعه، مشاركة عبد الرحيم الحافيظي المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، الذي لم يتحدث بلغة الأرقام الجافة، واهتدى إلى أسلوب الوضوح والشفافية في شرح الوضع الذي قال عنه إنه غير متحكم فيه لأنه مرتبط بالتساقطات المطرية. وأشار عبد الرحيم الحافيظي إلى أن المغرب يتوفر على بنية تحتية جيدة على المستوى التقني، وكذا الموارد البشرية، أي أنه لا مشكل في هذا النطاق، بيد أنه قدم سلسلة من الملاحظات حول سبب الإجهاد المائي، أبرزها الاستهلاك المفرط لهذه المادة الحيوية، لاسيما في فصل الصيف وعيد الأضحى الذي مر خلال هذه السنة بشكل آمن. وناشد الحافيظي المواطنين إلى الاستعمال غير المبالغ فيه للماء سواء في المنزل أو باقي الأنشطة الأخرى، علما أن مقابله المادي منخفض جدا بالمقارنة مع تكلفة الإنتاج وصولا إلى صنبور المنزل، موضحا أن المواطنين لا يطلعون في الفواتير على حجم استهلاكهم الشهي. وأوضح المدير العام ل ONEE أنه لا وجود لنموذج قار في تدبير الماء من قبل مؤسسات الدولة، موضحا أن الوضع هو من يفرض عليها اتخاذ قرارات لضمان الاستقلالية المائية للمغرب، كما حدث خلال وباء كورونا حين وجد المواطنون المواد الغذائية بشكل كاف أي أن الأمر يتعلق بما هو "سيادي" على حد تعبيره. ولأن القطاع الصناعي يعتبر مستهلكا رئيسيا للماء، فتح منظمو الندوة المجال للنشاطين الاقتصاديين، الذي عبر باسمهم محمد فكرات نائب رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، عن وعيهم بمدى ضرورة الحفاظ على الماء. وذكر محمد فكرات مجموعة من المبادرات التي اتخذها الاتحاد للتدبير الجيد لهذه المادة، من خلال اعتماد آليات تقنية حديثة في التصنيع، وهو ما لا يتردد أرباب الشركات في التفاعل إيجابا معه، مشيرا إلى أنه سبق وأن تم إعداد "كتاب أزرق" على هامش "كوب 22 بمراكش" للتوعية والتحسيس بأهمية الاستهلاك المعقلن. تثمين الماء ولم تحد كلمة محمد جليل المهندس والخبير في المجال المائي، عن التوجه العام الذي يستشعر الحاجة إلى تثمين هذه المادة بالمغرب، الذي لا يعاني لوحده من الجفاف، بل تعاني عديد دول مع هذه الظاهرة المعقدة. ودعا محمد جليل الدولة إلى المزيد من الحضور الفعلي بين المواطنين، انطلاقا من حملات التحسيس والتوعية، إلى جانب سن برامج خاصة بكل جهة على حدة لتدبير ناجع وناجح لهذه الظرفية الصعبة التي تمر بها البلاد. جدير بالذكر، أن أشغال الندوة ناقشت ثلاثة محاور أساسية، همت "السياسات العمومية المعتمدة لحماية الموارد المائية وضمان نجاعتها"، و"الممارسات الفضلى في مجال الحكامة والمراقبة المائية"، و"الشراكات بين القطاعين العام والخاص في تدبير الموارد المائية". وفي هذا الصدد، أكد جميع المتدخلون في الندوة أن الأمن المائي يعد أولوية وطنية ومسألة ملحة وضرورية مما يستدعي تعبئة جهود كافة الفاعلين، لإبراز أهمية النجاعة المائية وسبل حمايتها. وأشار خبراء من مختلف المجالات إلى أن جهة الدارالبيضاء- سطات هي الجهة الأكثر تضررا من الإجهاد المائي، مبرزين أن الجهة تنخرط في البرنامج الحكومي وخارطة الطريق التي وضعها جلالة الملك محمد السادس كجزء من الاستراتيجية الوطنية للمياه في أفق سنة 2027. ومن منظور صناعي، شددوا على ضرورة الالتزام القوي للمحافظة على هذا المورد الحيوي وحسن تدبيره، وذلك من خلال جمع الصناعات الملوثة في مناطق صناعية خاصة للحد من المساس بفرشات المياه الجوفية. يوسف الخيدر- تصوير: طه ياسين شامي