صدر حديثا كتاب "المبنى السجني بالمغرب: الفضاءات والهندسة المعمارية" لمؤلفيه الجيلالي العدناني وسليمة المنجرة، وذلك بمبادرة من المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج. ويروم هذا الكتاب، الصادر ضمن منشورات (bouillon de culture) في 243 صفحة من القطع الكبير والمعزز بعدة صور فوتوغرافية، تقريب القارئ من التطور الحاصل في المنظومة السجنية، و ذلك خلال تقديم معطيات حول أماكن الاعتقال و تطور بنياتها ووظائفها لتحسين الخدمات المقدمة للسجناء منذ فترة ما قبل الحماية إلى الوقت الراهن. كما يهدف المؤلف، باللغتين العربية والفرنسية، إلى المساهمة في" التعريف بالطفرة الحقوقية النوعية التي شهدها واقع السجون بالمملكة، خاصة في العقدين الأخيرين، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى أنسنة الفضاء السجني و صيانة كرامة حقوق السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية الصادرة في حقهم". ويتضمن هذا الكتاب جزءين يتناول الأول مواضيع تهم "حول تاريخ المبنى السجني"و "من أجل تاريخ للمباني العقابية "و سجون الحماية الفرنسية بين الإكراهات القانونية والفرص العقارية والتحديات المالية" و"المؤسسة السجنية بعد الاستقلال" والهندسة المعمارية في التفكير العقابي الحالي". أما الجزء الثاني فيتطرق إلى مواضيع تهم "إعادة تأهيل السجن" و"جسم لجسم" و"جسم إلى جدران" و"جلد لجلد" و"إعادة تأهيل السجن". وفي تقديمه لهذا المؤلف، أكد المندوب العام للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، محمد صالح التامك، أن "وضع حظيرة للسجون في مستوى النهج الإنساني الذي رسمه جلالة الملك محمد السادس يشكل محفز عمل المندوبية العامة"، مضيفا أن "تعزيز استراتيجية وضع بنيات استقبال جديدة، بطريقة حديثة ومتيقظة، يمكن من تحديد مواقع إقامة أماكن الاعتقال المستقبلية". وأبرز أن الطموح يتمثل في إقامة سجون لا تشكل أماكن لإنتاج معاودي الجريمة، إنما فضاءات للعزل والتأهيل وإعادة الإدماج، مشيرا إلى أنه لتحقيق الغاية المزدوجة للاعتقال، والمتمثلة في قضاء فترة العقوبة والحيلولة دون حالات العود، يتطلب إحداث المنشئات السجنية تخطيطا وتعديلات مجالية خاصة. يفرض تطويرها التفكير في هندسة معمارية تجمع، بكل فعالية، بين الضرورات القانونية والأمنية والمتطلبات الضامنة لكرامة النزيل، وتكون مناسبة لإمكانيات البلاد. واعتبر أن هذا العمل سيسهم، من خلال "وضع السجن بالمغرب في منظور تاريخي، وعبر تحديد تفكير أولي لقضية هندسة السجون كعنصر محدد لمدى فعالية منظومة السجون الوطنية، في النهوض بمهمتنا المزدوجة: الإصلاح والإعداد لإعادة التأهيل". وجاء في توطئة هذا الكتاب، وهو العمل الرابع من مجموعة مخصصة لعالم السجون بالمغرب، وهي سلسلة ترمي إلى التعريف بالشأن السجني في أبعاده السياسية والاجتماعية، أن هذا الإصدار الجديد يبدأ بالتطرق لوضع ممارسة الاعتقال بالمغرب من منظور تاريخي من خلال مختلف أنواع الأماكن المخصصة له. وحسب التوطئة فإن ندرة الشهادات التاريخية وشبه انعدام الدراسات الأكاديمية حول الموضوع لا تسمح بالمعالجة المعمقة والمثيرة التي يستحقها. ومع ذلك، فإن المعلومات المستمدة من وثائق المحفوظات، رغم قلتها، توفر لمحة عن مسألة مادية الاعتقال. وأضافت أنه على الرغم من هذا " اللا مفكر في تدوينه" حول السجن، الكاشف في حد ذاته عن قضايا أخرى غير مفكر فيها – اجتماعية وسياسية- استمرت لقرون عدة، فإن المؤلفين رسما تطور فضاءات الاعتقال والبناءات ذات الصلة، أو بالأحرى "عدم تطورها"، من حيث استمرارية شغلها واستخداماتها . ويدعو الجزء الثاني من الكتاب، حسب التوطئة، القارئ إلى أن يضع نفسه مكان المهندس المعماري المكلف بتصميم مؤسسة سجنية. ويقدم هذا النص نفسه، ودونما ادعاء بإعطاء إجابة نهائية حول الموضوع، كمسار للاكتشاف والتفكير. وأبرزن أن "هذا بالتأكيد هو حال أي بناء، بما أن كل بناء هو استجابة لمشروع حياة، والأحرى حينما يتعلق الأمر بالهندسة المعمارية للسجون، حيث يكون الفضاء طرفا فاعلا للعقوبة. وهذا ما يجعل منه تخصصا منفصلا، يخضع للتحولات المتكررة لمعجمه وغاياته. أطروحته، تحيزاته النظرية والتقنية، خياراته، رسائله، هي بذلك أبعاد تساهم في اعتقال النزيل وفي سيرورة حياته". يذكر أن هذا المؤلف يأتي تكميلا لإصدارات سابقة للمندوبية العامة، الأول تحت عنوان "الفنون من داخل السجون"، و الثاني حول "صناع مصير مغاير"، و الثالث حول "الكرامة" ترمي كلها إلى التعريف بإبداعات السجناء الفنية و الحرفية و تثمينها و رصد المجهودات المبذولة من أجل حفظ كرامة السجين.