الأسعار في واد والتصريحات الرسمية في واد آخر بعد دخول مافيات السوق على الخط في ظرفية تتسم بالزيادة المهولة في أسعار المواد الغذائية والخدمات الأساسية، التي تضرب القدرة الشرائية للمواطنين، وفي أعقاب الرجات العنيفة التي عرفتها بعض القطاعات المعروفة بتبعيتها للسوق الخارجي، وما تلا ذلك من توقعات الندرة ومزيد من لهيب الأثمان، عقدت العديد من الجهات الرسمية مركزيا ومحليا، اجتماعات، أياما قليلة قبيل شهر رمضان، وفي أيامه الأولى، خصصت لتقييم مستوى تزويد البلاد بالمواد الأساسية. خلال هذه الاجتماعات، لم يتم التغاضي ولا القفز على الواقع المتسم بغلاء المواد الأساسية نتيجة الزيادات التي سجلتها، دون سابق إنذار، أسعار الزيت والخضر والفواكه الطرية والأسماك والفواكه الجافة التي اضطر المغرب إلى استيراد كميات كبيرة منها لعدم تزامن الشهر الفضيل مع موسم جني الثمور. فكل من موقعه، وعلى منبره، سواء بوزارة الداخلية أو الاقتصاد والمالية أو الصناعة والتجارة أو الفلاحة والصيد البحري أو الطاقة والمعادن، سلط ما يكفي من الضوء على وضعية تزويد البلاد من المواد الأساسية وعلى أسعار المنتجات الأكثر استهلاكا في رمضان. ولم يقتصر جدول أعمال الاجتماعات، المغلقة منها أو تلك التي أريد لها أن تحظى بتغطية إعلامية واسعة، على النقطة التقليدية الوحيدة التي تتعلق بالتزويد المنتظم للسوق بالمواد الأساسية، ولو اقتضى الأمر طلب الضوء الأخضر لعمليات الاستيراد، بل اتسع جدول الأعمال، على غرار السنوات الماضية، ليشمل الدعوة إلى وجوب الحرص واليقظة المستمرة، طيلة الشهر الفضيل، من أجل متابعة الإمداد العادي للبلاد بالمواد الأساسية ولاتخاذ الإجراءات الزجرية في حق المضاربين والمتلاعبين بسقف الأسعار من أجل تحقيق الربح السريع غير المشروع . لكن ما أن هل هلال رمضان، حتى شهدت أغلب المواد التي تدخل في تحضير الوجبات الرمضانية زيادات كبيرة )إضافة 15 درهم للكيلوغرام الواحد من اللحم، و10 دراهم لسعر الكيلوغرام من الزبدة، ودرهم واحد لثمن لتر من الزيت، ودرهم ونصف لأسعار المعجنات، و4 دراهم لسعر الكيلوغرام الواحد من الدجاج، ودرهمين لأسعار الزيتون(، وغزت حمى الارتفاعات أسواق الخضر والفواكه والمواد الأكثر استهلاكا لدى عموم المواطنين، مسائلة الخطاب الرسمي، الذي يبدو مرة أخرى أنه في واد، والواقع المعاش في واد آخر. فالزيادات المهمة التي سجلتها أسعار الخضر الأكثر استهلاكا والتي فاقت 15 درهما كحد أدنى، همت بصفة خاصة الجلبان والفاصوليا والقوق، فيما تراوحت أسعار الخضر الأخرى ما بين الخمسة والعشرة دراهم، علما أنها لم تكن تتعدى قبل رمضان الأربعة دراهم كحد أقصى. وهو واقع يجد تبريره، يقول أنس زعيم عضو جمعية منتجي ومصدري الخضر والفواكه لبيان اليوم، «في الخلل الكبير الذي ميز عرضا عاديا وطلبا استثنائيا»، مضيفا أنه «من المتوقع، أن لا يعرف السوق الاستقرار المأمول إلا عند نهاية الأسبوع الثاني من شهر رمضان»، أي «بعد استئناف النشاط العادي للتجار، والمرور من فترة كساد تزامنت مع العطلة الصيفية». من جانبها، أضحت المنتجات السمكية، منذ اليوم الأول لرمضان، بعيدة عن المتناول بعد أن حدد المضاربون سعر السردين في 25 درهما للكيلوغرام الواحد، وطوحوا بالأنواع السمكية الأخرى المتداولة في السوق إلى مستويات عالية . وهو أمر طبيعي، يقول الهاشمي الميموني رئيس جمعية أرباب مراكب الصيد بالجر لبيان اليوم، في ظل فترة الخمول التي تشهدها الموانئ المغربية خلال الأسبوع الأول من رمضان، إذ يفضل العديد من البحارة الراحة في انتظار الاستئناس بالأجواء الرمضانية.. وإذا كانت ميكانيزمات السوق، في كل الاقتصاديات الرأسمالية العالمية، تتحكم إلى حد بعيد في الأسعار، فإن ما يحدث في المغرب، حسب تصريح أدلى به بوعزة الخراطي رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك لبيان اليوم، «لا علاقة له بمعادلة العرض والطلب». فقد أظهرت دراسة قامت بها الجمعية، يقول بوعزة الخراطي، أن «المضاربين والشناقة يعتبرون المستفيدين الوحيدين من ثلثي أسعار المنتجات الفلاحية في ظل ضبابية مدار التوزيع التي أدت إلى بروز ظاهرة الباعة المتجولين الذين باتوا يحتلون الأزقة والشوارع ويزودون المستهلك بحوالي 60 بالمائة من حاجياته». وهو ما يصعب، يضيف الخراطي، من مهمة المراقبة التي تفرض على الدولة «إعادة هيكلة مدار التسويق، ومحاربة التخزين غير الشرعي في المستودعات الضخمة، الذي يرمي إلى المضاربة ورفع الأسعار، وبالتالي يحرم الدولة من مداخيل جبائية هامة جدا»، مشددا على أن من أوجب واجبات السلطات التي سارعت إلى عقد اجتماعات خاصة بتموين السوق قبل رمضان، «التدخل للتخفيف من التأثيرات السلبية المباشرة على القدرة الشرائية المتدهورة للمواطنين من خلال إجراءات موازية آنية»، تذهب رأسا إلى تكبيل أيادي المحتكرين وتجار المناسبات.