جاء خطاب العرش، أول أمس السبت، معلنا عن انطلاق مرحلة جديدة ضمن دينامية التحول المغربي، أي مرحلة ما بعد الإقرار الشعبي الواسع للدستور الجديد، والذي اعتبره جلالة الملك «تعاقدا متجددا مرسخا للعهد الوثيق بين العرش والشعب». لقد أكد جلالة الملك أن المرحلة الآن هي مرحلة التفعيل الأمثل، روحا ومنطوقا، للدستور الجديد الذي قال «إننا نحن به ملتزمون، وله ضامنون، وعلى حسن تطبيقه ساهرون»، وهنا التجسيد الواضح للالتزام الملكي بأن المغرب مصمم على الإصلاح وعلى إنجاح تحولاته الديمقراطية. ومن أهم العناوين ذات الدلالة في خطاب جلالة الملك قوله بأن أي دستور، مهما بلغ من الكمال، فإنه ليس غاية في حد ذاته، ولا نهاية المطاف، وإنما هو أساس متين لتعاقد سياسي جديد، على المضي قدما في ترسيخ دولة القانون وحقوق الإنسان، والحكامة الجيدة والتنمية، وذلك بإرساء مؤسسات ناجعة وذات مصداقية. العنوان الآخر الذي كان لافتا، تمثل في إعلان جلالة الملك عن اتجاه المرحلة المقبلة، أي مرحلة ما بعد فاتح يوليوز2011، ويتعلق الأمر بتأويل مقتضيات الدستور الجديد، حيث نبه جلالته إلى أن «أي ممارسة أو تأويل مناف لجوهره الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا مخالفا لإرادتنا ملكا وشعبا». وجاء في الخطاب الملكي أيضا التنصيص على خارطة طريق لاستحقاقات المرحلة المقبلة، وفي ثنايا ذلك وردت إشارات ورسائل بارزة، تؤكد على أهمية إيجاد مناخ سياسي سليم، وعلى ضرورة العمل بروح التوافق الإيجابي من أجل تفعيل المؤسسات الدستورية، بالاعتماد الجيد للنصوص القانونية اللازمة والإصلاحات السياسية الهادفة لانبثاق مشهد سياسي ومؤسسي جديد وسليم، كفيل بعدم إنتاج ما يشوب المشهد الحالي من سلبيات واختلالات. الرسالة هنا واضحة أيضا، وتتعلق بضرورة وضع حد لكل اختلالات المشهد السياسي والمؤسسي، والتعبئة لإعمال جيل جديد من الإصلاحات في البلاد، كما أن جلالة الملك شدد هنا على أنه «كما أن لكل زمن رجاله ونساءه ولكل عهد مؤسساته وهيئاته، فإن دستور 2011 بصفته دستورا متقدما من الجيل الجديد للدساتير، يستلزم بالمقابل جيلا جديدا من النخب المؤهلة، المتشبعة بثقافة وأخلاقيات سياسية جديدة، قوامها التحلي بروح الغيرة الوطنية، والمواطنة الملتزمة، والمسؤولية العالية، وخدمة الصالح العام». خطاب العرش تضمن إشارات ورسائل وعناوين أخرى لا تخلو من دلالة، وفي المحصلة، فهي كلها تمثل تأكيدات ملكية قوية وواضحة على توجهات المرحلة المقبلة، أي لا تراجع عن الإصلاح، والتشبث بالتأويل الديمقراطي لأحكام الدستور، وإقامة المؤسسات وفق ما يضع حدا لاختلالات المشهد السياسي الحالي، ويمكن من بروز نخب جديدة ومؤهلة، ويكرس الدور المحوري للأحزاب... إلى المرحلة الموالية إذن.. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته