يخلد الشعب المغربي اليوم الذكرى الثانية عشرة لعيد العرش، وهي الذكرى التي تحل هذا العام ضمن دينامية سياسية ومجتمعية كبيرة، من أبرز عناوينها مسلسل الإصلاحات الدستورية والسياسية الجاري حاليا. عيد العرش لهذه السنة أيضا، هو لحظة للانتباه إلى قدرة المؤسسة الملكية على التفاعل الإيجابي مع المطلب الإصلاحي المعبر عنه من لدن القوى الأساسية في البلاد، وأيضا الحراك الشبابي، ومن ثم فإن شجاعة الملكية المغربية في تجديد ذاتها، وفي الإقدام على خطوات إصلاحية كبيرة، جعلت مسلسل الإصلاح يعود إلى سكته، ويبرز بذلك كتجربة مختلفة في السياق المغاربي والعربي الضاج اليوم بالدماء وبالارتباكات وبكثير من المنغلقات. قبل التغيير الدستوري، كان هناك مشروع الجهوية، وكانت إعادة هيكلة عدد من المؤسسات الوطنية والارتقاء بصلاحياتها إلى مراتب أفضل، وكانت العديد من الإفراجات، وكان الحوار الاجتماعي، ثم هناك اليوم العمل الجاري لتنظيم أول انتخابات تشريعية في عهد الدستور الجديد... من دون شك تعرف هذه المسيرة بعض تعثرات بين الفينة والأخرى، لكن الواضح أن المغرب حدد اختياره في اتجاه المزيد من الديمقراطية وتقوية دولة القانون وتعزيز الحداثة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهنا لا بد من تسجيل الدور الريادي الذي لعبته الملكية المغربية لدعم هذا المسار، بل والتأسيس لديناميته الواضحة اليوم. مناسبة عيد العرش الثاني عشر تفرض القول بأن لهذه الدينامية السياسية المغربية خصوما وجيوب مقاومة ورفض، وهي لوبيات وقوى تتواجد في أوساط مختلفة وتتوحد في كون الفساد والريع يخدمان مصالحها الضيقة، وفي سبيل ذلك هي على استعداد لفعل أي شيء من أجل وقف عجلة التغيير، وتثبيت كل اختلالات الحقل السياسي والتدبيري التي يلتقي الملك مع القوى الديمقراطية في الرغبة والإرادة للقضاء عليها. هنا يصير الانتباه واجبا والوضوح مسؤولية وطنية، حيث أن حراك الشارع ومسيرات الشباب يجب أن تتحول إلى دينامية مجتمعية محفزة على إنجاح الإصلاح وداعمة له، وليس أن تكون بمثابة أوكار لغربان الظلام ولعقليات التطرف والجمود، التي لا تنجح في النهاية إلا في فرملة مسلسلات الإصلاح وخدمة أهداف لوبيات الفساد. المرحلة تتطلب اليوم الالتفاف حول الإصلاح وحول ضرورة إنجاحه، والالتفاف أيضا على حماية استقرار وطننا وأمن بلدنا وشعبنا، والتعبئة ضد كل أعمال المغامرة وكل أنواع التطرف والأصولية الرجعية. إن تقييم المنجز الإصلاحي الذي أعلن عنه طيلة هذا العام، يجعل كل المراقبين الواقعيين يسجلون أهميته وشموليته وانفتاح أفقه، لكن مع التأكيد أيضا على حاجتنا إلى المزيد من اليقظة والاستعداد لكسب رهانات التنفيذ وتنزيل النصوص والقوانين إلى أرض الواقع. عيد العرش هذه السنة يحل والمغرب يلج مرحلة سياسية جديدة، وهو ما يقتضي الاستعداد والتعبئة الوطنية الدائمة لحماية نموذجنا الديمقراطي والتنموي المرتكز إلى الحداثة والانفتاح وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته